أخذ في الحل والعقد والعزل والعهد ، ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع ، وطالت أيام دولته السعيدة وسار في الناس السّيرة الحميدة ، واجتهد في بناء المشاعر العظام بحيث وقع له من ذلك ما لم يتفق لغيره من ملوك الإسلام كعمارة مسجد الخيف بمنى ، وحفر بنمرة صهريجا ذرعه عشرين ذراعا ، وعمر بركة خليص وأجرى العين الطيبة إليها ، وأصلح المسجد الذي هناك ، بحيث عمّ الانتفاع به للقاطن والسلاك (١) وعمر عين عرفة (٢) بعد انقطاعها أزيد من قرن وعمر سقاية سيدنا العباس ، وأصلح بئر زمزم والمقام ، وجهز في سنة تسع وسبعين للمسجد الحرام منبرا عظيما ، ونصب في ذي القعدة وكان يرسل للكعبة الشريفة بكسوة فائقة جدا في كل سنة ، وأنشأ بجانب المسجد الحرام عند باب السلام مدرسة عظيمة بها صوفية وتدريس وفقراء وخزانة للربعات ، وكتب العلم ، وبجانبها رباط للفقراء والطلبة مع أجراء القوت لهم في كل يوم وسبيل عظيم للخاص والعام ، ومكتب للأيتام ، وعمل ببيت المقدس مدرسة كبيرة بها شيخ وصوفية ودرسة ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، قال السخاوي (٣) : وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصلة [وربّما](٤) مدحه الشعراء (٥) ، ولم يلتفت إلى ذلك وصلي عليه يوم الإثنين وكان له مشهد عظيم ولم يخلفه [مثله في الجراكسة](٦) بل قيل أنه لم يمكث أحد في المملكة قدر [مدته] فكانت قريب من ثلاثين سنة وصلّى عليه في المساجد الثلاثة [وختم له] فيها بعدة ربعات ، أحد ملوك المصرية والحادي والأربعين [من ملوك]
__________________
(١) النور السافر : السالك.
(٢) الأصل غزوة.
(٣) الضوء اللامع ٦ : ٢٠٧.
(٤) بياض في الأصل.
(٥) عبارة الضوء «وربما مدحه الشعراء فلا يلتفت لذلك».
(٦) بياض في الأصل.