وطلب الشهادة واستقبال الموت في سبيل الله. وانّ الشهادة جميلة عند أعاظم الرجال كجمال القلادة في جيد الفتاة. وقد ألقى هذه الخطبة بعد الأنباء التي تناهت إليه بان يزيد دسّ الرجال لاغتياله وسفك دمه. وجاء في مقدّمتها المقطع التالي : «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخيّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ...» (١)
الخطابة :
تعني ذكر مصيبة سيّد الشهداء وندب سائر الائمة بالمراثي. وكان الأئمّة عليهمالسلام يحثّون اتباعهم على هذا العمل الذي يعدّ من جملة الأسباب في تخليد النهضة الحسينية وخلق الصلة الروحية والعاطفية بين الشيعة وأئمّتهم. البكاء على أهل البيت دليل على محبّتهم. وهي بالإضافة إلى فعلها في البناء التربوي للإنسان ، فهو يحصل من ورائها على الأجر والثواب الاخروي ، وينال شفاعة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام.
ولما كانت ذكر مصائب أهل البيت سنّة دينية حسنة أحياء أمرهم وذكر فضائلهم ، فمن الخليق بالخطباء والوعّاظ الالتفات إلى أهمية ودور هذه الشعائر ، والسعي إلى عرض صورة ناصعة عن الأئمة الأبرار. وهذا ما يوجب عليهم التأكّد من صحّة المواضيع التي يطرحونها ودقّة المصادر التي يستقون منها ، ومتانة وجمال الاشعار التي يختارونها ، والابتعاد عن الكلام والشعر الذي لا ينسجم ورفعة مكانتهم. وان يضعوا نصب أعينهم ـ في فضيلة البكاء والابكاء ـ الحديث التالي المنقول عن الإمام الصادق عليهالسلام : «من أنشد في الحسين عليهالسلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله
__________________
(١) بحار الانوار ٤٤ : ٣٦٦ ، مقتل الحسين للمقرّم : ١٩٣.