ابن أبي وقّاص ، وصارت لهم قوّة ونفوذ واسع ، كان يسكنها أيضا اقوام من فارس. وأدت هذه العوامل إلى ايجاد ميول مختلفة لدى الناس المقيمين فيها. كما كان ولاة الامويين فيها يدعون الناس لمناصرة بني أميّة والانقياد لهم ، مما نتج عنه تكريس سلطة الأمويين فيها.
ولم يكن عدد شيعة اهل البيت قليل في الكوفة ، إلّا ان ولاءهم كان يتّسم بالعاطفة والخطب الحماسية والمشاعر الفياضة تجاه عترة الرسول صلىاللهعليهوآله اكثر من تمسّكهم بالخط العقائدي والعملي لآل علي ، والنزول إلى ساحة المواجهة والتضحية. ونحن لا نريد تجاهل الدور الذي لعبته قسوة الامويين في تحجيم مناصرة الشيعة للحسين بن علي ، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن التغاضي بهذه السهولة عن تخاذلهم وغدرهم. حتى ان جماعة منهم لمّا رأوا الحسين وانصاره يقتلون الواحد تلو الآخر ، كانوا يبكون ويبتهلون إلى الله ان ينصره فصاح بهم احدهم : «هلّا تهبّون لنصرته بدل هذا الدعاء» (١).
ـ الغدر ، الكوفة
الإيثار :
من أبرز المفاهيم والدروس المستفاد من واقعة الطف هو «الايثار». فالايثار يعني الفداء وتقديم شخص آخر على النفس ، وبذل المال والنفس فداء لمن هو افضل من ذاته. وفي كربلاء شوهد بذل النفس في سبيل الدين ، والفداء في سبيل الإمام الحسين ، والموت عطشا لاجل الحسين. فالامام الحسين ضحى بنفسه في سبيل الدين ، وأصحابه ما داموا على قيد الحياة لم يدعوا احدا من بني هاشم يبرز إلى ميدان القتال. وما دام بنو هاشم أحياء لم يسمحوا بأي أذى يصيب الحسين.
وفي ليلة عاشوراء لمّا رفع الإمام عنهم التكليف لينجوا بأنفسهم ، قاموا الواحد تلو الآخر ، وأعلنوا عن استعدادهم للبذل والتضحية قائلين : لا نخذلك ولا
__________________
(١) حياة الإمام الحسين ٢ : ٤٤٢ (نقلا عن البلاذري).