هيهات منّا الذلّة :
شعار الحسين يوم عاشوراء ، وشعار جميع الاحرار الذين لا يرضخون للظلم ، ولا يستسلمون لسلطة الجبابرة. وهذه الجملة صرّح بها الامام الحسين في احدى خطبه يوم عاشوراء وجاء في مطلعها : «تبا لكم ايتها الجماعة وترحا ...». وهو حين رأى اصرارهم على ارغامه على الاستسلام والبيعة في ذلك اليوم ، اعلن رفضه قائلا : «ألا وانّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلّة ، وهيهات له ذلك منّي ، هيهات منا الذلّة ، ابى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون ، وحجور طهرت ، وجدود طابت ، وانوف حميّة ، ونفوس أبيّة ان يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (١).
وهذا النوع من النظرة الى الحياة يعلّم الانسان درسا ويجعله على مفترق طريقي الحياة ذليلا أو الشهادة ، واختيار عزة الشهادة ، واعتبار الحياة الذليلة موتا.
في حرب صفين لما رأى علي عليهالسلام استيلاء جيش معاوية على الماء وان اصحابه قد نضب ما لديهم من ماء وهم على وشك الاستسلام الذليل ، خطب فيهم وحرّضهم على ارواء سيوفهم من دم العدو حتى يتاح لهم الارتواء بالماء قائلا : «فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين» (٢).
وهذا الفهم متبلور في النهج الحماسي الحسيني والعلوي ، وهو جوهر الحياة الكريمة.
ردّ الحسين على بعض افراد جيش الكوفة الذين طلبوا منه الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلا : «لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد» (٣) ، فهو يرى في مثل هذا الاستسلام ذلة العبودية وهو يأنف ذلك.
__________________
(١) نفس المهموم : ١٣١ ، مقتل الخوارزمي ٢ : ٧ ، بحار الانوار ٤٥ : ٨٣ مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(٢) نهج البلاغة لصبحي الصالح ، الخطبة ٥١.
(٣) مقتل الحسين للمقرّم : ٢٨٠ ، تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٣.