القضايا في ظل وضوح الرؤية ؛ ولذلك فهم يختلفون في ما لا يختلف فيه ، ويثيرون النزاع في ما لا يوحي بالنزاع ، بهدف استثارة وبث الأوهام في مواجهة الحقيقة ، لإسقاط الفكرة.
ولم يكن كتاب موسى بدعا من الكتب التي أنزلها الله على رسله ، ولم يكن موسى فريدا في التحديات التي واجهته ، (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الذي أردناه حكما بين الناس ، وفرقانا بين الحق والباطل ، ليحل لهم المشكلة ، وليوضح لهم الحقيقة ، وليحسم لهم الأمور في ما اختلفوا فيه ، لأنه الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكن هؤلاء المعقّدين لم يلتقوا بالوضوح البارز فيه ، فحاولوا أن يثيروا الضباب حوله ، ليحجبوا الرؤية عنه ، (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) من موقع البغي والحسد وما إلى ذلك من عوامل شريرة ذاتية ، فانحرفوا عنه ، وابتعدوا عن صراطه المستقيم ، وكان من الممكن لله القادر على كل شيء أن يعذّبهم في الدنيا ، ولكن حكمته اقتضت أن يفسح لهم المجال ، وأن يمهلهم ليأخذوا حريتهم في اختيار الطريق الذي يريدونه لأنفسهم ، وليملي لهم ما شاء من الإملاء ، زيادة في إقامة الحجة عليهم ، حتى لا يترك لهم مبرّرا ، في أيّ موقع من مواقع الشبهة.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في ما اختلفوا فيه ، في عملية حاسمة لا مجال فيها للتردد ، لأنها تتمثل في العذاب الذي ينزل على المتمردين ، (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) لأنهم لا يرتكزون على أساس متين في مصادر هذا الشك وموارده ، بل يرجعون فيه إلى ما يطوف في فكرهم من خيالات وأوهام ، وما يثور في حياتهم من أهواء وأطماع ، مما يوحي بالريب في الدوافع والخيالات ، أكثر مما يوحي بالفكر وبالجدّية في مواجهة الأفكار.
ولكن الله لا يترك الأمر لهم كما يريدون ويشتهون ، بل يؤخرهم ليوم لا مردّ له من الله (وَإِنَّ كُلًّا) أي كل واحد منهم ، (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) في ما