عليها الرسول ، في ما يقدّمه منها. فهو يقول لهم : هذا ما أريد أن أثيره أمامكم ، فإني أملك من البينات الواضحة على الإيمان برسالتي ما أقتنع به مصدّقا بأني رسول من الله إليكم ، فقد أعطاني الله البيّنة على ذلك وآتاني رحمة من عنده بما أفاضه عليّ من موقع الرسالة ، ووضوح الرؤية للأشياء ، الأمر الذي يجعلني في موقع القوّة ، في ما أؤمن به وأدعو إليه ، وما المانع من أن يكون البشر رسولا ، ما دامت مسئولية الرسول لا تمثل حركة في الغيب ، بل هي حركة في الواقع ، خاضعة للخصائص التي يملكها العاملون في ساحته؟! وماذا أفعل لكم إذا كنتم خاضعين للفكرة الخاطئة التي ورثتموها عن آبائكم ، فمنعتكم عن التفكير المستقل الأصيل ، لما يطرح عليكم من بيّنات وبراهين؟! (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) كنتيجة للجوّ الفكري والنفسي الخانق الذي خضعتم له ، فحجب عنكم وضوح الرؤية للأشياء ، (أَنُلْزِمُكُمُوها) ونفرضها عليكم ، إذا لم تفرضوها على أنفسكم من موقع القناعة والإيمان الصادر عن التأمّل والتفكير ، (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) مما يبعدكم عن الانفتاح على الفكر الذي يقدّم إليكم ، بعمق وواقعية وتدبّر.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) فلم أطرح عليكم تقديم أي امتياز مالي شخصي لي كأجر على الرسالة ، لتفسروا الموقف على أساس الطمع في مكاسب وأرباح يبحث عنها الآخرون في مواقف مماثلة.
(إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، فهو الذي حمّلني مسئولية الرسالة ، وهو الذي وعدني الأجر من عنده ، في ما أعدّه لرسله ولأوليائه المجاهدين من ثواب عظيم ، يدفع الدعاة العاملين في سبيله إلى التضحية والعطاء بلا مقابل دنيوي ، (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) استجابة لما تطرحونه من طلب استبعادهم عن ساحة الرسالة في الحياة ، كأساس لتفكيركم بالإيمان بها ، لأني لا أملك أمرهم ، كما لا أملك أمر تقييم ما في نفوسهم وصدق إيمانهم من خلال الأسس التي ترتكزون عليها في الحكم على الأشياء والأشخاص ، أو من خلال الاتهامات