الله ، لأنه موجّه إليه قبل أن يكون موجّها إليهم ، لذا كان جواب نوح صورة للموقف الرسالي الهادىء الذي لا تزلزله التحديات.
(قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) لأن الله هو الذي يملك أمر إنزال العذاب بكم من مواقع قدرته ، ومنه يصدر الإنذار ، ولست إلا مبلّغا لما أرسلني به ، وقد قدّر بمشيئته التي خضعت لها الأشياء أن لكل شيء وقته ، فما مدى قدرتكم حتى تطلقوا التحدي بمثل هذه الطريقة الاستعراضية؟ وما وعيكم لقدرة الله على عباده التي جربتموها في ما مرّ بكم من مصائب وأهوال ، وما تشاهدونه من حوادث الموت والفناء في الحياة؟! (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) لأنكم لا تملكون الهرب من قضاء الله وقدره ، ولا تستطيعون الوقوف أمام عذاب الله في أيّ وقت جاءكم ، وفي أيّ مكان.
(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) في ما أستخدمه من ترغيب وترهيب يدفعني إليه ما أحبه لكم من النجاة والنجاح ، (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) من خلال زيادة غوايتكم لأنفسكم بالجحود والتمرد ، وبالتهرب من حوار الفكر والإيمان ، مما يجعل من الغواية عن طريق الرشد نتيجة طبيعية لذلك ، في ما ربط الله به الأشياء بأسبابها ، فإن الله جعل للرشد سببا ، وللغواية سببا ، إذا أخذ الناس به كانت إرادة الله في حصوله بالسبب ، وهذا هو تفسير نسبة إرادة الغواية إلى الله ، (هُوَ رَبُّكُمْ) القادر على تغيير ما أنتم فيه بسبب غير طبيعي ، ولكن حكمته اقتضت أن تخضع الحياة في كل شيء لسننه الطبيعية التي أودعها في الكون ، ليتحرك الناس من موقع الإرادة والاختيار ، لا من موقع القهر والإجبار ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيحاسبكم علي ما قدمتم من الأعمال السيئة في طريق الغواية والضلال.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ويصرّون على اتهامه بذلك علي الرغم من براهين الصدق التي قدمها إليهم ، كأسلوب من أساليب التجريح والتشوية لموقفه.