ولكن نوحا لا يخضع لذلك ، بل يبقى في هدوء الروح الرساليّ ، وصفاء الفكر ، (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) ولا شأن لكم في ما أتحمّله من مسئولية إزاء ذلك ، إن أراد الله أن يعذبني عليه ، ولكني أعرف من صدق الدعوة ، وسلامة الموقف في نفسي ما يجعلني بعيدا عن ذلك ، وما يدفعني إلى الثقة بالرسالة بالمستوى الذي يبعدني عن موقع ردّ الفعل الذي أردتم وقوعي فيه. (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) كما أني لا أتحمل مسئولية كفركم وتمردكم ، لأنني أقمت عليكم الحجة ، ولم أقصّر في الدعوة والتبليغ ، وبقي عليكم تحمّل مسئولية عملكم لأن الله جعل مسئولية الجزاء فرديّة ، يتحمل على أساسها كل إنسان عمله ، إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ.
ذلك هو منطق الأنبياء الهادىء الذي يطرح الفكرة بقوّة ، ويواجه الموقف بحسم ، ويرد التحدي بعقل هادئ ، وفكر منفتح ، وهو ما ينبغي للدعاة إلى الله أن يستوحوه ويسيروا على هداه في كل زمان ومكان.
* * *