صادقون باعتبار فعل المعجزة منهم ، ثمّ يستعين العقل بقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي استدل على صدقه فيما يقوله في الله تعالى واليوم الآخر مما يعجز عن إدراكه العقل ولا يحكم بامتناعه. ولا شك في أنّ هذه الأشياء عارضة للوجود من حيث هو ، فيكون موضوعه هو الوجود المطلق.
الفصل الرابع : في غايته
إنّ الإنسان خلق لا كغيره من أنواع الحيوانات ، بل هو مدنيّ بالطبع يفتقر في معاشه إلى غذاء ولباس ومسكن وصلاح أحواله ومن يعوله من نسله وغيرهم ، وهذه أمور صناعية لا يمكن صدورها عن صانع واحد ، وإنّما تحصل باجتماع خلق يتعاونون عليه ، ويتشاركون في تحصيله ، ليفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض مهمه (١) منهم ، فيتمّ بمعارضته ومعاوضته. ثمّ إنّ الاجتماع على التعاون إنّما يتمّ إذا كان بين بني النوع معاملة وعدل ؛ إذ كلّ منهم يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على مزاحمته فيه ، وبحسب هاتين يحصل الجور فيقع الهرج والمرج ، ويختلّ أمر النظام ، ولا بدّ من عدل متفق عليه ، ولمّا كانت الجزئيات غير منحصرة وجب وضع قوانين شرعية لكيفيّة العدل ، وتلك القوانين لو وضعها الناس لحصل الاختلاف ، فيقع الهرج المحذور منه ، فإذن يجب امتياز الشارع بينهم باستحقاق الطاعة ليطيعه الباقون ، وإنّما يتميّز بمعجزات تصدر عنه دون غيره ، ولمّا كانت الحكمة إنّما تتمّ بالتكليف ، إذ ضعفاء العقول يستجيزون (٢) اختلال العدل الناظم لمعاشهم ، وجب في عنايته تعالى إرسال الأنبياء بشرائع تقتضي نظام الوجود ، ومجازاة الممتثل لها بالإحسان ، ومقابلة المخالف بالعذاب الأخروي ، ووجب معرفة
__________________
(١) م : «مهمّه» ساقطة.
(٢) ق : «يستحقرون».