باطلان. فالحكم بالافتقار باطل.
أمّا بطلان الأوّل ، فلأنّه لو كان ضروريّا لاشترك العقلاء فيه ، لاشتراك العقلاء في الضروريات. ولمّا اختلف فيه العقلاء ، فذهب بعضهم إلى نفيه ، وبعضهم إلى أنّه استدلالي ، وبعضهم إلى أنّه ضروري : امتنع كونه ضروريّا.
ولأنّا إذا عرضنا على عقولنا هذه القضية ، وأنّ الواحد نصف الاثنين ، وجدنا بينهما تفاوتا ، وأنّ الثانية أظهر ، والتفاوت إنّما يكون لو تطرّق الاحتمال إلى المرجوح ، وإذا تطرّق احتمال النقيض على الحكم ، لم يكن ضروريا ، بل ولا يقينيا.
وأمّا الثاني ، فلأنّه لا برهان قطعي على ذلك.
الوجه الثاني :
لو افتقر الممكن إلى المؤثر ، لكان تأثير المؤثر في ذلك الأثر (١) إمّا أن يكون وصفا ثبوتيا أو لا ، والقسمان باطلان ، فالقول بالمؤثرية باطل.
أمّا بطلان الأوّل ، فلأنّ ثبوته إن كان في الذهن دون الخارج ، كان جهلا ، كمن يعتقد «أنّ العالم قديم» وليس كذلك في نفسه ، فلو كان حكم الذهن بالمؤثرية غير مطابق للخارج ، كان جهلا ، فلا يكون الشيء مؤثرا في نفسه. ولأنّ كون الشيء مؤثرا في غيره ، صفة لذلك الشيء ، فلا يعقل قيامها بالذهن المغاير له ، وتكون حاصلة قبل الأذهان.
وإن كان ثابتا في الخارج ، فإن كان نفس المؤثر أو الأثر لزم الدور ، لأنّ التأثير أمر نسبي ، لا يعقل إلّا بين ذات المؤثر وذات الأثر ، والأمور النسبية متأخرة عن المنتسبين ، والمتأخر مغاير. ولأنّا قد نعقل ذات المؤثر وذات الأثر ، مع الشك في كون المؤثر مؤثرا في الأثر ، كما إذا علمنا قدرة الله تعالى وعلمنا العالم قبل العلم
__________________
(١) ق : «الأمر».