وعن الخامس : أنّ عدم الممكن المتساوي الطرفين ليس نفيا محضا. وتساوي طرفي وجوده وعدمه لا يكون إلّا في العقل ، ومرجّح طرف الوجود يكون موجودا ، وأمّا في العدم ، فالمرجّح لا يكون إلّا عقليّا. وعدم العلّة ليس بنفي محض ، وهو يكفي في الترجيح العقلي. ولكونه ممتازا عن عدم المعلول في العقل ، يجوز أن يعلل هذا العدم بذلك العدم في العقل(١).
وفيه نظر ؛ فإنّه إن عنى بأنّ (٢) عدم الممكن ليس نفيا محضا أنّ له نوعا من الثبوت وحظا من الوجود ـ كما اختاره الرئيس ـ فهو ممنوع ، فإنّا لا نعقل من عدم السواد إلّا عدما مطلقا مضافا إلى السواد ، ولا نفرق بينه وبين العدم المطلق إلّا بالإضافة إلى الملكة ، وذلك لا يعطيه حظا من الوجود ، كعدم شريك الباري تعالى. وإن عنى به ، أنّه ليس عدما مطلقا غير مضاف إلى ملكة ، فهو حق ، لكنّ ذلك لا يقتضي خروجه عن النفي المحض.
والتحقيق : أنّ الأعدام قد تتمايز بحسب الإضافة إلى ملكاتها ، فعدم العلّة ممتاز عن عدم غيرها. وهذا الامتياز كاف في جواز إسناد البعض (٣) إلى البعض.
وعن السادس : أنّ الحاجة وصف اعتباري لا تحقق له في الخارج حكمه في الثبوت والانتفاء واحد. ولا يلزم من كونها عدميّة أن لا يكون الشيء في نفسه محتاجا ، كالعدم والامتناع ، فإنّهما ليسا بثبوتيّين ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون الشيء معدوما وممتنعا.
وبالجملة : فالضرورة قاضية باحتياج الممكن في اتّصافه بوجوده أو عدمه إلى سبب خارج عن ذاته ، فالمعارضات في مقابلها تشكيك في الضروريّات ، فلا يكون مسموعا ، كشبه السوفسطائية.
__________________
(١) نقد المحصل : ١١٨.
(٢) م : «بأنّ» ساقطة.
(٣) ق : «التعلّق». ج : «التعين» والصحيح ما في المتن من م.