يبقى القوي موجودا ممتنع الزوال ، لأنّه لو عدم لكان عدمه لأجل وجود معارضه ، ومعارضه أضعف منه ، فلا يوجد مع وجوده ، إذ لو وجد مع وجوده لكان أقوى منه ، فإذن القوي يكون (١) دائم الوجود ممتنع الزوال. والضعيف يكون دائم العدم ممتنع الحصول. والأوّل هو الواجب ، والثاني هو الممتنع ، فيخرجان عن حدّ الإمكان. وإن لم يكن بعضها أقوى ، لم يكن اندفاع أحدهما بالآخر أولى من اندفاع الآخر به ، فلا يحصل الترجيح إلّا لأمر من خارج ، وحينئذ يحصل التساوي المطلوب (٢).
احتج الآخرون بوجوه :
الأوّل : الماهيات أمور متعيّنة ، كل واحد منها متميّز عن الآخر بخصوصية ، فإمّا أن يكون في الماهية اقتضاء الوجود والعدم ، أو ليس فيها اقتضاء شيء منهما ، وهذا الأخير يوجب صحة خلوها عنهما. والأوّل إمّا أن تكون الماهية تقتضيهما جميعا ، وهو محال ، أو تقتضي أحدهما لا بعينه ، وهو باطل ، لأنّ الماهية متعيّنة في نفسها ، فلا بدّ وأن تقتضي شيئا بعينه ، لامتناع أن يكون للمبهم حصول ، فإنّه لا يعقل في الوجود شيء هو في نفسه غير معيّن ، وإذا استحال حصول المبهم في الخارج ، استحال اقتضاء الماهيّة له ، أو يقتضي واحدا بعينه ، مع أنّه يصحّ عليها طريان الطرف الآخر ، وإلّا لم تكن ممكنة ، وهو المطلوب(٣).
الثاني : الموجودات السيّالة ، كالزمان والحركة والصوت ، العدم أولى بها ، وإلّا لصحّ بقاؤها ، والوجود يصحّ عليها وإلّا لم توجد البتة ، وإذا كان بعض الممكنات
__________________
(١) م : «يكون» ساقطة.
(٢) المباحث المشرقية ١ : ٢٢٣.
(٣) المصدر نفسه ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.