الثاني : تأثير الشيء في غيره إنّما يكون بعد احتياجه إلى ذلك الشيء ، واحتياجه إلى ذلك (١) الشيء نعت من نعوته ، والنعت متأخّر عن المنعوت ، فإذن حقيقته مقدّمة على تأثير الشيء فيه ، فيستحيل أن يكون للشيء فيه تأثير.
الثالث : لو تعلّقت سوادية السواد بغيره ، لم يكن السواد سوادا عند فرض عدم ذلك الغير ، وهو محال ؛ لأنّ السواد سواد لذاته سواء تحقّق غيره أو لا.
وفي الأوّل نظر ؛ لأنّ الماهيّة وجعل الفاعل لها أمران متغايران ، فصحّ عروض الإمكان بالنسبة إليهما.
وفي الثاني : لأنّ الاحتياج وصف اعتباري ، وإن كان منسوبا إلى الماهيّة ، لكنّ ذلك لا يقتضي كونه وجوديا ، لأنّه منسوب إليها حال كونها ذهنيّة بالحاجة (٢) عند كونها خارجية.
وفي الثالث : لأنّه المتنازع ، فإنّ من يجعل السواد سوادا بالفاعل ، يعترف برفع حقيقة السواد عند ارتفاع الفاعل ، لا بأن يثبت السواد ويرتفع عنه كونه سوادا ، بل بأن لا تبقى له حقيقة البتّة.
احتجّ الآخرون : بأنّه لو انتفت مجعولية البسيط انتفت المجعولية مطلقا ، لأنّ الماهية إذا لم تكن مجعولة ، لم يكن الوجود أيضا مجعولا ، بعين ما تقدّم من الأدلّة ، فلا تكون الماهيّة الموجودة مجعولة ، فلا يستند الممكن الموجود إلى المؤثر ، فلا يكون ممكنا بل واجبا ، هذا خلف.
لا يقال : المستند إلى الفاعل هو موصوفية الماهيّة بالوجود ، وهو أمر مغاير للماهيّة والوجود.
لأنّا نقول : أوّلا : الموصوفيّة ليست ثبوتيّة وإلّا لزم التسلسل ، لاستحالة
__________________
(١) ج : «ذلك» ساقطة.
(٢) كذا في النسخ ، ويبدو أنّ الصحيح : «بلا حاجة» أو «فلا حاجة».