وقال آخرون : إنّه ما صحّ التأثير به أو فيه. وأراد بقوله فيه الجواهر ، لأنّ الجواهر يصحّ التأثير فيها ولا يصحّ بها لأنّها لا توجب حكما في الغير.
وقيل : حدّ الوجود ما يظهر معه مقتضى صفات النفس ، وهذا على رأي من قال : المعدوم له في حال عدمه صفة ، ولكلّ جنس صفة نفسية ، ومن قال : إنّ المعدوم لا صفة له حال عدمه قال : الوجود هو الثبوت.
وقال آخرون : الوجود هو الذي يوجب كون ما وصف به موجودا.
وقيل : إنّه الذي ينقسم إلى القديم والحادث.
وقيل : الوجود هو الذي ينقسم إلى فاعل أو مفعول.
وهذه التعريفات كلّها رديئة لاستلزام التعريف بها الدور ، أو التعريف بالأخفى ، والحق أنّه غني عن التعريف ، إذ كلّ عاقل لا يشك في أنّه موجود (١).
وقد استدل أفضل المتأخّرين (٢) على أوليّته بوجوه (٣) :
الوجه الأوّل : علمي بوجودي بديهي ، والوجود جزء من وجودي ، والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل ، والعلم السابق على الأوّلي أولى أن يكون أوّليا ، والوجود في الكلّ واحد ، فالوجود المطلق أوّلي.
وفيه نظر ، فإنّ للقائل أن يقول : البديهي ، الحكم بأنّي موجود ، أمّا تصوّر وجودي فممنوع ، ونمنع كمالية تصوّر كلّ واحد لوجوده ، فجاز أن يتصوّره باعتبار
__________________
(١) قارن الفصل الخامس من المقالة الأولى من إلهيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٩٧.
(٢) وهو أبو عبد الله ، محمد بن عمر الرازي الملقب بفخر الدين توفى سنة (٦٠٦ ه) راجع وفيات الأعيان ٤ : ٢٤٨.
(٣) انظر الوجوه في المباحث المشرقية ١ : ٩٨ ـ ٩٩ ؛ تلخيص المحصل : ٧٤ ؛ شرح المواقف ٢ : ٧٧ ؛ شرح المقاصد ١ : ٥٦. وقد ذكر الطوسي ـ ره ـ الوجه الثاني والثالث وأجاب عنهما. راجع كشف المراد : ٢٣.