وفيه نظر ، فإنّ المتكلّمين لم يقصدوا إثبات الحدوث بالذات ، بل قصدهم بالذات إثبات الصانع ، ولمّا كان الطريق هو الحدوث ، لا جرم قدّموا البحث عنه على البحث عن إثبات الصانع ، ولم يكتفوا بالإمكان ، لأنّهم وجدوا العالم لا يخلو عن الحوادث ، وحكموا بأنّ ما لا يخلوا عن الحوادث فهو حادث ، فلزمهم القول بحدوث العالم ، ولمّا استحال إسناد الحادث إلى القديم الموجب التام في الفاعليّة ، وكان التسلسل محالا ، لا جرم أسندوه إلى الفاعل المختار ، فحكموا بأنّ مؤثر العالم قادر.
وأفضل المتأخّرين لم يقصد بقوله : «إنّ المتكلّمين نفوا العلّة والمعلول» الإطلاق ، لأنّهم يعترفون بثبوت التعليل في كثير من الأحكام والصفات والذوات أيضا ، بل قصد أنّهم ينفون العلّة والمعلول عن الله تعالى والعالم (١).
وأيضا المتكلّمون لمّا نفوا المجرّدات الممكنة ، وحكموا بأنّ كلّ متحيّز بالذات أو بالعرض محدث ، لبراهينهم التي استدلّوا بها ، لزمهم أن يكون ما سوى الله تعالى وصفاته محدثا ، فلهذا لم يسندوا العالم إلى مؤثّر موجب ، بل إلى قديم مختار. و «أبو الحسين البصري» لم يقصد بالحال في العلم ما قصده «أبو هاشم» ، بل الوصف الثبوتي.
وأمّا الفلاسفة ، فإنّهم اتّفقوا على امتناع إسناد القديم إلى فاعل مختار يفعل بواسطة القصد والداعي ، لأنّه ليس إذا شاء أن يفعل فعل ، وإذا شاء أن يترك ترك ، مع إمكان توارد المشيئتين عليه ، ولم يثبتوا قدرة واختيارا بهذا المعنى ، بل بمعنى مقارنة فعله للعلم ، مع عدم منافاته لذاته ، ولا فارق بين فعله وفعل الطبائع الجسمانية عندهم إلّا باعتبار مقارنة العلم وعدمه. فقد تقرّر من هذا ، أنّ
__________________
(١) كذا في م ، وفي ق : «و» محذوف.