وأنّ إباءهم عن إطلاق لفظ القديم عليها ليس بحقيقي (١).
وأمّا الفلاسفة فلم يذهبوا إلى : أنّ الأزليّ يستحيل أن يكون فعلا لفاعل مختار ، بل ذهبوا إلى : أنّ الفعل الأزليّ يستحيل أن يصدر إلّا عن فاعل أزليّ تامّ في الفاعليّة ، وأنّ الفاعل الأزليّ التام في الفاعليّة يستحيل أن يكون فعله غير أزليّ ، ولمّا كان العالم عندهم فعلا (٢) أزليّا أسندوه إلى فاعل أزليّ تامّ في الفاعليّة ، وذلك في علومهم الطبيعية (٣). وأيضا لما كان المبدأ الأوّل عندهم أزليّا تامّا في الفاعليّة ، حكموا بكون العالم الذي هو فعله أزليّا ، وذلك في علومهم الإلهيّة ، ولم يذهبوا أيضا إلى أنّه ليس بقادر مختار ، بل ذهبوا إلى أنّ قدرته واختياره لا يوجبان كثرة في ذاته (٤) ، وأنّ فاعليته ليست كفاعليّة المختارين من الحيوانات (٥) ، ولا كفاعليّة المجبورين من ذوي الطبائع الجسمانية (٦).
وفرق بين الاختيار الذي يثبته الحكماء والذي يثبته المتكلّمون ، لأنّ الحكماء يقولون: إنّه مختار بمعنى وجوب صدور الفعل عنه دائما ، والمتكلّمون ينفون دوام الصدور عنه ، ويقول بعضهم بوجوب الصدور نظرا إلى قدرته وإرادته ، وبعضهم ينفي وجوب الصدور عنه (٧) أصلا ، ويقولون : إنّه يختار أحد الطرفين المتساويين على الآخر لا لمرجّح (٨).
__________________
(١) نقد المحصل : ١٢٤.
(٢) في النسخ : «فعليّا» والصحيح ما أثبتناه طبقا للسياق.
(٣) فابتدءوا من أزلية العالم واثباتها ، ثمّ استفادوا منها أزلية الباري تعالى.
(٤) أي إنّهما كسائر الصفات ، عين ذاته تعالى.
(٥) بأن يكون الاختيار زائدا على الذات.
(٦) كفاعلية النار ، شرح الإشارات ٣ : ٨٢.
(٧) في النسخ : «عنهم» وأصلحناها من المصدر.
(٨) نقد المحصل : ١٢٥.