خلف.
وأمّا النفس والهيولى ، فلأنّهما لو كانا حادثين لكان لهما هيولى ؛ لأنّ كلّ محدث فله هيولى ، لكن ليس للهيولى ولا للنفس هيولى ، لاستحالة أن تكون تلك الهيولى حادثة ، وإلّا لزم التسلسل ، أو إثبات هيولى قديمة وهو المطلوب (١) وهذا غير تام ، إذ لا يلزم من قدم هيولى النفس قدمها.
وأمّا الزمان ، فلأنّه لو كان حادثا لكان عدمه قبل وجوده قبلية زمانية (٢) فيكون للزمان زمان آخر ويتسلسل ، أو ينتهي إلى زمان قديم وهو المطلوب (٣).
وأمّا الخلاء ، فلأنّه واجب لذاته ، إذ معنى الواجب لذاته ، هو الذي لا يتصوّر عدمه ، ولا رفعه عن الوجود ، والخلاء لا يمكن رفعه ، ولا يتصوّر الذهن عدمه ؛ لأنّه لو ارتفع الفضاء لم تبق الجهات متمايزة ولا مشارا إليها ، وهو غير معقول.
ومال «ابن زكريا» (٤) إلى هذا المذهب (٥) ، ونحن نمنع احتياج الحادث إلى المادة والمدّة وسيأتي.
وامتناع رفع الفضاء مستند إلى الوهم لا العقل.
وذهبت الفلاسفة إلى قدم المادّة والزمان ، لأنّ كلّ حادث عندهم فإنّه مسبوق بمادة ومدة (٦) لما يأتي.
__________________
(١) الحجة قد ذكرها الرازي في المحصل ، وهي لا تثبت قدم النفس كما قاله المصنف.
(٢) بأن لا تجامع القبلية البعدية.
(٣) وقد نقل عن المعلم الأوّل : «أنّ من قال بحدوث الزمان فقد قال بقدمه من حيث لا يشعر».
(٤) محمد بن زكريا الرازي أبو بكر ، فيلسوف من الأئمّة في صناعة الطب ، من أهل الري ، (٢٥١ ـ ٣١٣ ه) الأعلام ، الزركلي ٦ : ١٣٠.
(٥) وألف فيه كتابا موسوما ب «القول في القدماء الخمسة».
(٦) ذهب الفلاسفة إلى مسبوقية الحادث الزماني بالمادة والمدة لا مطلق الحادث الشامل للحادث الذاتي الذي يشمل الحادث الزماني والقديم الممكن.