الخامس : لو كان الجوهر جنسا لكانت النفوس والعقول مركّبات ، فيكون العقل الصادر عن المبدأ الأوّل ابتداء مركّبا ، والمبدأ واحد ، (١) فلا يصدر عنه أكثر من واحد.
السادس : الجنس مقول على ما تحته بالتواطؤ ، والجوهر ليس كذلك فلا يكون الجوهر جنسا. والمقدمة الأولى مسلّمة. وبيان الثانية : أنّ الجواهر المفارقة أولى بالجوهرية والاستغناء عن الموضوع من الأجسام ، وهي أولى بالجوهرية من الهيولى (٢).
السابع : النفس الإنسانية جوهر مجرّد مفارق للمادة على ما يأتي ، وهي عالمة بنفسها ، وعلمها بنفسها لا يمكن أن يكون مكتسبا ، والحكماء اتفقوا عليه ، بل جعلوا (٣) علمها بذاتها نفس ذاتها ، فكان يجب أن يكون العلم بجوهريتها حاصلا لها دائما أوّليا ، ومعلوم أنّ الأمر بخلاف ذلك.
لا يقال : علم الإنسان بوجود ذاته غير مكتسب ، فجاز أن يكون علمه بماهية نفسه مكتسبا ، والجوهرية إنّما تقوّم ماهية النفس لا وجودها ، وإذا كان علمها بماهيتها مكتسبا جاز أن يكون العلم بجوهريتها مكتسبا.
لأنّا نقول : هذا لا يتأتى (٤) على رأي الحكماء ، لأنّهم اتفقوا على أنّ علم الإنسان بنفسه هو نفس نفسه ، إذ لو كان زائدا على نفسه لوجب أن تحلّ في نفسه صورة مساوية لنفسه فيجتمع المثلان. وإذا كان كذلك وجب أن يكون علمه بذاته هو نفس حضور ذاته لذاته ، فعلم الإنسان بحقيقته يجب أن يكون حاضرا أبدا ، ويرد الإشكال (٥).
__________________
(١) أي الباري جلّ شأنه.
(٢) فالجوهر مقول بالتشكيك والذاتي لا يكون كذلك.
(٣) وعبّر الرازي ب «زعموا».
(٤) ق : «لا ينافي».
(٥) أي وإذا كان كذلك يرد الإشكال.