وهذه الجهات الست منها اثنتان بالطبع لا يتبدلان بتبدّل الفروض والأوضاع ، وهما الفوق والسفل. وأمّا الأربعة الباقية فإنّها تتبدل بتبدل الفروض والأوضاع ، لأنّ المتوجه إلى المشرق يكون المشرق قدّامه والمغرب خلفه والجنوب يمينه والشمال شماله ، فإذا توجه إلى المغرب تبدلت جميعها ، فصار ما كان قدّاما خلفا ، وما كان يمينا شمالا ، وبالعكس ، بخلاف الفوق والسفل ، فإنّ القائم لو صار منكوسا لا يصير ما يلي رأسه فوقا ، وما يلي رجليه تحتا ، بل صار رأسه من تحت ورجلاه من فوق ، وكان الفوق والتحت بحالهما.
قيل (١) : إن جعل اعتبار الفوق والسفل بالرأس والقدم تبدلا كغيرهما ، فإنّ شخصين لو قاما على طرفي قطر الأرض كان ما يلي رأس أحدهما يلي قدم الآخر ، ولا يتبدّلان إن جعل الاعتبار بما يقرب من السماء وما يقابله.
وأجيب : ليس المراد من اعتبار الرأس والقدم ما يلي رأس الشخص وقدمه ، فإنّا قد بيّنا تبدله بالانتكاس ، بل المراد ما يلي الرأس والقدم بالطبع ، فلا يكون الطرف الآخر من قطر الأرض هو الذي يلي القدم بالطبع (٢).
واعلم : أنّ هذه الجهات غير متخالفة بالماهية حتى تكون في كلّ جسم جهة هي بعينها يمين وأخرى هي يسار ، وإنّما تميّز ذلك في الحيوانات بسبب أنّ الجانب الأقوى يخالف مقابله ، فبسبب ذلك صار اليمين مخالفا لليسار. وكذا باقي الجهات ، إلّا الفوق والسفل فإنّ اختلافهما قد يكون بالعرض وقد يكون بالطبع ، أمّا الأوّل فعلى ما يتفق وضعه ، فكل جانب يلي الأرض من الجسم هو الجهة السافلة ، وما يقابله هو الفوق.
__________________
(١) اعتراضا على رأي الشيخ بأنّ الفوق والسفل لا يتبدلان بالفروض ، والقائل هو الرازي ، والمجيب عليه الطوسي.
(٢) شرح الاشارات ٢ : ١٧٣.