والتخلخل (١) يعنى به تارة رقّة القوام وهو من باب الكيف ، ويعنى به تارة انفشاش (٢) الأجزاء بحيث يخالطها جرم غريب ، وهو من باب الوضع. والتكاثف مقابل له ، وهو إمّا ثخن القوام وغلظه ، أو اجتماع الأجزاء الوحدانية الطبع ، وخروج الجسم الغريب عما بينها. فمن حيث إنّ الحرارة شأنها التلطيف والترقيق [فهي] مفيدة للتخلخل الذي من باب الكيف. ومن حيث إنّها تجمع بين المتشاكلات وتفرق بين المختلفات تفيد التكاثف الذي من باب الوضع الذي هو عبارة عن اجتماع الأجزاء الوحدانية الطبع ، وخروج الجسم الغريب عما بينها.
وقولنا : «تجمع المتشاكلات» إنّما هو في المركبات ، لأنّها إنّما تجمع ما ليس بمجتمع، والبسيط مجتمع الأجزاء.
لا يقال (٣) : لا نسلّم أنّها تجمع بين المتشاكلات ؛ لأنّها تفرّق الماء بالتصعيد وترمد الحطب وتفرقه. ولا أنّها تفرّق المختلفات لعدم قوتها على تفريق أجزاء الطّلق (٤) والنورة (٥) والحديد والذهب والحيوان المسمى بالسمندل (٦) ، بل قد تجمع بين المختلفات كبياض البيض وصفرته.
__________________
(١) ستأتي المعاني المختلفة للتخلخل في المسألة الأولى من الباب الثالث من هذا الكتاب (ص ٤٩٩ ـ ٥٠٠) إن شاء الله تعالى. راجع أيضا الفصل السادس من المقالة الخامسة من مقولات الشفاء.
(٢) أي انحلال الأجزاء وتفرّقها. وفي ج : «انتفاش».
(٣) راجع طبيعيات الشفاء ، الفصل العاشر من الفن الثالث ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣٨٢ ـ ٣٨٤.
(٤) حجر براق يتشظى إذا دق ، يتخذ منها مضاوي للحمامات بدلا عن الزجاج. القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.
(٥) الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس ، ويحلق به الشعر. لسان العرب ٥ : ٢٤٤.
(٦) وهو طائر يأكل البيش ـ وهو نبت بأرض الصين يؤكل وهو أخضر ـ ومن عجيب أمر السمندل استلذاذه بالنار ومكثه فيها ، وإذا اتسخ جلده لا يغسل إلّا بالنار. وينسج من وبره مناديل إذا اتسخت القيت في النار فتنصلح ولا تحترق ، وكثيرا ما يوجد في الهند. الدميري ، كمال الدين ، حياة الحيوان الكبرى ٢ : ٣٣.