سلّمنا ، لكنّه ليس فعلا أوّليا لها ؛ لأنّ فعلها الأوّل تسييل الرطوبات المنجمدة بالبرد وتحليلها ثم تصعيدها وتبخيرها ، فإن كانت المجتمعات مختلفة في قبول التحليل والتبخير (١) كان بعضها أسرع وبعضها أبطأ ، فإذا بادر الأسرع دون الأبطأ والمطيع دون العاصي عرض من ذلك تفرّقها ، وإن تشاكلت طبائعها تشابهت في الاستعداد للحركة ، فلذلك لا تتفرق ، وإذا لم يكن فعلها الأوّل ذلك بل تسييل الرطوبات كان تعريفها به أولى من الأوّل.
لأنّا نقول (٢) : ليست الحرارة تفرق الماء ، بل إذا استحال جزء منه لشدة الحرارة فصار هواء فرّقت بينه وبين الماء الذي ليس من طبعه ، ثمّ يلزمه أن تختلط بذلك الهواء أجزاء مائية ، فتصعد مع الهواء ويكون مجموع ذلك بخارا. وإنّما رمدت الحطب ، لأنّ الأجزاء الأرضية التي فيه متماسكة بالرطوبات المائية التي فيها ، فإذا فرّق بين الرطب واليابس عرض منه تناثر الأجزاء اليابسة.
وأمّا الطلق والنورة والحديد فالنار قوية على تسييلها بحيل أصحاب الإكسير ، وخصوصا مع اعانتها بما يزيدها اشعالا كالكبريت والزرنيخ. وإنّما لم يتفرق الذهب بالنار لشدة تلازم بسائطه ، فكلّما مال فيها شيء إلى التصعّد حبسه المائل إلى الانحدار ، فتحدث حركة دورية وغليان ، ولو لا هذا العائق لتفرق. وليس عدم تفريق النار له لأجل العائق دليلا على أنّ النار لا تحاول التفريق. وليس عقد البيض جمعا له ، بل إحالة في قوامه ثمّ تفرّقه النار عن قريب بواسطة التقطير.
وحقّ «أنّ الجمع والتفريق ليسا أوّليين للنار» ؛ لأنّ الجمع والتفريق هنا معتبران بالقياس إلى المركب. والفعل الأوّل للحرارة التحريك إلى فوق بواسطة ما يفيد من الميل المصعّد ، لكن لمّا كانت أجزاء المركب مختلفة الاستعداد لقبول
__________________
(١) ج : «التحلل والتبخر».
(٢) راجع الفصل الحادي عشر من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء.