ثانيا : طريق إدراكهما لمس محلهما. وإذا قيل : إنّهما مدركان لمسا فالمراد ملامسة المحل؛ لأنّ اللمس لا يقع إلّا بين الجسمين. ويكفي في ادراكهما كلّ محل فيه حياة من غير حاجة إلى حاسّة مخصوصة ، وهو ممنوع. وسيأتي تتمة البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
وإذا أدركناهما بمحل الحياة فإنّما ندركهما في غيره ، بخلاف الألم الذي يدرك بالحياة في محلّها ؛ لأنّ الواحد منّا إنّما يدرك حرارة بدنه بلمسه ببعض آخر.
ثالثا : ذهب أبو القاسم الكعبي إلى أنّ الحرارة والبرودة مقدورتان للعباد ، لأنّ الواحد منّا يحك خشبة بأخرى فتحصل حرارة.
وذهب آخرون إلى أنّ تلك الحرارة كامنة في الخشبة يظهر بالحك ، لا أنّها تحدث بالحك ، وإلّا لحصلت عند حك الجليد بالجليد. وهؤلاء منعوا من استحالة الماء إلى الحرارة ، أو الحار إلى البرودة ، وعلّلوا الحرارة والبرودة بمجاورة النار أو الهواء البارد. وسيأتي البحث معهم في إبطال الكمون إن شاء الله تعالى.
رابعا : قال أبو القاسم الكعبي : إنّ الهواء قد يصير نارا مما يفعله أحدنا في القدح من الحجر والحديد. ومنعه آخرون وقالوا : إنّ النار كانت كامنة فيهما ، إذ لو استند إلى القدح لم تختلف الأجسام في ذلك. وربّما علّلوا ذلك بأنّ الحجر يكتسب النارية من حرارة الشمس على طول الدهر ، وكذا الخشبة ، وهما باطلان.
خامسا : قال جماعة من المتكلّمين : إنّ النار إنّما تحرق لأجل ما يختص به من الاعتماد دون الحرارة ، لأنّ الحرارة لا جهة لها فكيف تولد في غير محلها؟! والإحراق يحصل في غير محل الحرارة. وأيضا الإحراق تفريق مخصوص ، وهو مقدور لنا ، فلو ولّدته الحرارة لقدرنا عليها ؛ لأنّ القادر على المسبب قادر على سببه.