بحيث يلتصق بما يلامسه ، ويعتقدون أنّ الرطوبة حقيقتها هذا. وهو باطل ، لأنّ الجسم كلّما كان أرقّ كان أقل التصاقا بما يلامسه ، وكلّما كان أغلظ كان أشدّ ملازمة. فلو كان الالتصاق بالغير لأجل الرطوبة لكان الأرطب أشد التصاقا وهو باطل ، فإنّ الماء اللطيف الجيد إذا غمس فيه الإصبع كان ما يلزم الإصبع منه أقل ممّا يلزم من الماء الغليظ أو الدهن أو العسل ، فثبت أنّ الالتصاق لازم للكثافة والغلظة. ولما بطل هذا الاعتبار بقي للرطوبة واليبوسة الوصف الثاني ، وهو سهولة التشكّل بشكل غيره مع سهولة تركه له ، ولليابس عسر قبول الأشكال الغريبة وعسر تركه لها. فالرطوبة إذن هي «الكيفية التي بها يكون الجسم سهل التشكّل بشكل الحاوي الغريب ، وسهل الترك له». واليبوسة هي : «الكيفية التي يعسر بها قبول الشكل الغريب ، وبها يعسر تركه له» (١).
وقال في الحدود : الرطوبة «كيفية انفعالية تقبل الحصر والتشكّل الغريب بسهولة ، فلا يحفظ ذلك ، بل يرجع إلى شكل نفسه [ووضعه اللّذين بحسب حركة جرمه في الطبع]». واليبوسة «كيفية انفعالية عسرة القبول [للحصر و] للتشكل [الغريب ، عسرة الترك له والعود إلى شكله الطبيعي]» (٢). واعترض بوجهين (٣) :
الأوّل : جعل الرطوبة قابلة للتشكّل ، وهو محال ، فإنّ الرطوبة غير قابلة للتشكّل ، بل الجسم يقبل التشكّل بسببها.
__________________
(١) طبيعيات الشفاء ، الفصل التاسع من الفن الثالث. والرازي جعل هذا الرسم أولى ممّا قاله في رسالة الحدود ، ووافق الآمدي على هذا التعريف بإضافة قيد «الحصر» حيث قال : «الرطوبة : فما كان من الكيفيات بها يسهل قبول الجسم للانحصار والتشكل بشكل غيره ، وكذا تركه. وأمّا اليبوسة فمقابلة للرطوبة» المبين : ٩١ ـ ٩٢.
(٢) ما بين المعقوفتين في الموضعين مأخوذ من المصدر (رسالة الحدود : ٣٥ ـ ٣٦).
(٣) على تعريف الشيخ في الحدود ، والمعترض هو الرازي.