الثاني : أنّه قال : «كيفية انفعالية قابلة للتشكّلات» ، وهو يدل على الانفعال ، فيجب حذفه ، فإذا حذف وحملنا قوله «قابلة للتشكّلات» على أنّها هي التي لأجلها يقبل الجسم التشكّلات ، صار هكذا : الرطوبة هي الكيفية التي لأجلها يقبل الجسم التشكّلات ، وهو ما ذكره في الشفاء.
وقيل لو فسّرت الرطوبة «بما من شأنه أن يسهل التصاقه بغيره وانفصاله عنه» ، كان أولى ، لاتفاق الجمهور على أنّ الرطب يفيد اليابس المختلط به استمساكا عن التشتت ، ولا يمكن ذلك إلّا بأن يلتصق بما يلامسه ، فإنّ الهواء لو اختلط بالتراب اليابس لم يفده استمساكا ، بل زيادة تشتت ، ولو فسّرنا اليبوسة «بالكيفية التي باعتبارها يعسر قبول الأشكال» ، لم يبق بينها وبين الصلابة فرق ، فكان يجب أن تكون النار صلبة يابسة ، وذلك باطل ، فإنّ النار ألطف العناصر وأكثرها رقة وأبعدها عن الكثافة ، وإذا كان كذلك فالنار أقبل العناصر للأشكال الغريبة بسهولة ، فكان يجب أن تكون النار أرطب العناصر ، وهو ممّا لا يقول به عاقل.
وقال بعضهم : إذا أوقدنا في تنوّر شهرا أو شهرين ، فإنّ الهواء الذي في داخل التنور ينقلب أكثره نارا ، فكان ينبغي أن يظهر من ذلك في الهواء ممانعة ، لأنّ النار يابسة ، واليابس ممانع ، ولكنّا إذا أدخلنا فيه جسما لم نجد فيه ممانعة أصلا ، بل ربّما صار ذلك الهواء عند استحالته نارا ألطف وأقبل للخرق ، فبطل ما قالوه.
وقول الشيخ : «لو كانت الرطوبة لأجل الالتصاق ، كان الأكثر التصاقا أشد رطوبة» ، إن عنى بكثرة الالتصاق سهولته ، فلا شك أنّ الشيء كلّما كان أرطب كان أسهل التصاقا بالغير ، ولكنّ العسل ليس أسهل التصاقا بغيره من الماء ، بل الماء أسهل. وأيضا العسل أعسر انفصالا ، وكلّ ما كان كذلك كان أعسر اتصالا ، فلا يلزم أن يكون العسل أرطب من الماء. وإن عنى بكثرة الالتصاق دوامه ، فنحن لا