نفسّر الرطوبة بدوام الالتصاق حتى يلزم أن يكون الأدوم التصاقا أرطب ، وكيف نقول ذلك والأدوم التصاقا لا بدّ وأن يكون أعسر التصاقا؟ وذلك ضدّ ما جعلناه تفسيرا للرطوبة ، وهو سهولة الالتصاق.
فالحاصل : أنّ المحال الذي ذكره إنّما يلزم لو فسرنا الرطوبة بدوام الالتصاق ، فأما إذا فسّرناها بسهولة الالتصاق لم يلزم ما قالوه (١).
لا يقال : لو كان الالتصاق معتبرا في حقيقة الرطوبة بأي اعتبار كان لزم أن يكون الأدوم التصاقا أرطب.
لأنّا نقول : لا نذهب إلى أنّ الرطوبة نفس الالتصاق ، وكيف والالتصاق من باب المضاف والرطوبة من باب الكيف؟! بل الرطوبة [هي] الكيفية التي باعتبارها يستعدّ الجسم للالتصاق بالغير ، وتلك الكيفية تلزمها لا محالة سهولة الانفصال المنافي لصعوبة الانفصال ، كما أنّهم لا يقولون : الرطوبة هي الشكل نفسه ، حتى يكون الأثبت شكلا ، وهو اليابس ، أرطب ، بل يقولون : الرطوبة سهولة قبول الشكل ، وكذا هنا. فإذن ما يكون عسر الانفصال يكون عسر الاتصال ، ونحن إذا جعلنا سهل الاتصال رطبا ، لا يلزمنا أن نجعل عسر الانفصال (٢) رطبا ، فثبت أنّ الرطوبة هي «الكيفية التي يستعد الجسم باعتبارها لسهولة الالتصاق بالغير وسهولة الانفصال عنه» (٣).
واعلم أنّ الجمهور يفسّرون الرطوبة بالبلّة ، ولهذا لا يطلقون الرطب على الهواء ، بل على الماء فتكون اليبوسة بهذا الاعتبار هي الجفاف (٤).
__________________
(١) كذا.
(٢) في المصدر «الاتصال».
(٣) المباحث المشرقية ١ : ٣٨٨ ـ ٣٩٠.
(٤) هذا من شرح الطوسي على الاشارات ، واعترض قطب الدين الرازي عليه بانّه خطأ في النقل وانه لا يطابق عبارة الشيخ في الفصل التاسع من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء (شرح الاشارات ٢ : ٢٤٦).