وقال في الشفاء : البلّة هي «الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم» كما أنّ الانتفاع هي «الرطوبة الغريبة النافذة إلى باطنه» والجفاف «عدم البلّة في ما من شأنه أن يبتلّ». وأمّا اليبوسة فقد فسّرها الشيخ بأنّها «الكيفية التي بها يعسر قبول الأشكال الغريبة وتركها» (١) وهذا بالصلابة أولى.
فالواجب إذن أن نقول : نرى من الأجسام ما تتفرّق أجزاؤه وتنفرك (٢) بسهولة ، ومنها ما لا يكون كذلك. والثاني هو الصلب ، والأوّل على قسمين : منها ما تكون مركبة من أجزاء صغار لا يقوى الحس على إدراك كلّ واحد منها منفردا ، وكلّ واحد منها يكون صلبا ، ولا يكون سهل الانفراك ، ولكن البعض منها متصل بلحامات سهلة الانفراك ، ومنها ما يكون كلّ الجسم في طبيعة تلك اللحامات في سهولة الانفراك ، كالمدر الخالص الأرضية الترابي ، فالأوّل الهش والثاني اليابس ، فاليبوسة هي «الكيفية التي يكون الجسم معها سريع التفرّق عسر الاجتماع» (٣).
والوجه أنّ الكفية إن اقتضت سهولة الاتصال والانفصال فهي الرطوبة وإن اقتضت عسرهما فهي اليبوسة. وإن اقتضت سهولة الانفصال وعسر الاجتماع فهي الهشاشة والسلاسة (٤). وإن اقتضت عسر الانفصال وسهولة الاتصال فهي اللزوجة. فاللزوجة «كيفية تقتضي سهولة التشكّل مع عسر التفريق ، والشيء بها يمتد متصلا ، وتحدث من شدّة امتزاج الرطب الكثير باليابس القليل» (٥).
__________________
(١) نفس المصدر من الشفاء.
(٢) فركته عن الثوب : هو أن تحكه بيدك حتى يتفتت وينقشر (المصباح المنير ٢ : ١٤٥). وفرك الثوب والسنبل دلكه فانفرك. (القاموس ٣ : ٤٦٠).
(٣) هذا ما وجده الرازي في مباحث المترجم الشهير ثابت بن قرة (المباحث المشرقية ١ : ٣٩٠).
(٤) قال الطوسي : «والسلاسة والهشاشة اسمان لما يقابلهما» (شرح الاشارات ٢ : ٢٤٩). وقال الشيخ : «والهش الذي يخالفه [اللّزج] هو الذي يصعب تشكله ويسهل تفريقه ، وذلك لغلبة اليابس فيه وقلّة الرطب مع ضعف المزاج» (نفس المصدر من الشفاء).
(٥) نفس المصدر من الشفاء.