واحد من أجزائهما شفافا خاليا عن اللون ، لعدم السطوح المختلفة في ذلك الواحد. وإذا عرض معها ما يوجب التزاق بعضها ببعض صار جسما واحدا أبيض ، كما في بياض البيض المسلوق فانّه قبل السلق كان له ضوء ، ولم يكن فيه قابل ضوء ، كما في الماء ، وبعد السلق تعاكس الضوء بين ذي الضوء وبين قابله فحدث البياض.
والماء إذا كان مائعا له سطح واحد كان له ضوء ولم يكن فيه قابل ضوء ، فلم يكن فيه تعاكس. أمّا إذا تزبّد أو انجمد اجتمع فيه الأمران وحدث البياض. وفي بياض البيض المسلوق ما يوجب فيه مع ذلك الالتزاق والتماسك ، فصار جسما واحدا أبيض ، ولم يمكن امتياز بعض أجزائه من البعض ، فلا يظهر للمتأمل فيه سوى الجزء الواحد ، كما في الثلج والزجاج ، وهذا غير دافع للسؤال ، كما تقدم.
والذي ذكروه لا نمنعه ، لكن ندعي أنّ البياض قد يحصل على وجه آخر ، وهو الاستحالة.
وأيضا فلا طريق لنا إلى الجزم بأنّ بياض الناطف لمخالطة الهواء ، وكذلك ابيضاض الجصّ ليس لما يفيده الطبخ من التخلخل وسهولة التفرق ، وإلّا لكان السحق والتصويل يفعلان فعل الطبخ في الجص والنورة ، بل السبب فيه أنّ الطبخ يفيده مزاجا يوجب ذلك الابيضاض.
وقولهم : الأسود غير قابل للبياض. إن عنوا به على سبيل الاستحالة بطل بالشيب والشباب (١). وإن عنوا به على سبيل الصبغ احتمل أن يكون ذلك ؛ لأنّ الصبغ المسوّد لا بدّ وأن يكون منه قوّة قابضة يخالطه وينفذ فيه ، فإنّ السواد يحصل من اندماج أجزاء الأجسام الكثيفة بعضها في بعض ، فإنّ الزاج في غاية النفوذ بحدّته ، والعفص في غاية القبض وليس شيء منهما بأسود ، فإذا امتزجا نفذ الزاج
__________________
(١) والعبارة في المصدر نفسه من الشفاء هكذا : «فان عنوا على سبيل الاستحالة فقد كذبوا وممّا يكذبهم الشباب والشيب». وقريب منها في المباحث المشرقية ١ : ٤٠٩.