أمّا أوّلا : فنقول : لمّا جوزت في اختلاط الهواء بالجسم الشفاف أن يكون سببا لأن يحس منه بالبياض وإن لم تكن كيفية قائمة بالجسم ، فلم لا يجوز أن يكون في البيض المسلوق نحس منه بالبياض وإن لم تكن فيه كيفية قائمة به؟
وقوله : لم يوجد فيه اختلاط الهواء بالشفاف ، فيكون البياض كيفية قائمة به حقيقة ، ليس بلازم ، لأنّ الاختلاط سبب خاص في إحساس البصر من الجسم بكيفية البياض وإن لم تكن تلك الكيفية موجودة حقيقة. ولا يلزم من نفي هذا السبب انتفاء الحكم إلّا إذا بيّنتم انحصار (١) السبب فيه ، ولم يقيموا عليه شبهة فضلا عن حجة ، فجاز أن يكون هنا سبب آخر أو أسباب لا نعرفها تقتضي الإحساس بكيفية البياض في البيض المسلوق ولا تكون كيفية حقيقية قائمة به.
وبالجملة إذا جوّزنا أن نبصر شيئا لا وجود له لم يبق الاستدلال بالإبصار على الوجود في غير ذلك الموضع موثوقا به ، ولا يمكننا الاستدلال بعدم السبب الواحد على عدم هذا الإبصار الكاذب ، لأنّ الحكم لا يزول بزوال العلّة الواحدة إذا استند إلى غيرها.
وكذا الكلام على الثاني والثالث ، فإنّه يحتمل وجود أمور مختلفة لأجلها نحس بالكيفيات وإن لم يكن لها وجود في الحقيقة ، كما يحتمل ذلك في اللون الواحد.
وكذا البحث على الرابع ، قيل : البياض ، إنّما يتكون بتعاكس الضوء من سطوح أجسام مشفة. والجمد والزجاج مشفان ، وباعتبار اشفافهما كان لهما ضوء ، ومتى كانا ذوي سطح واحد لم يمكن تعاكس الضوء فيهما. أمّا إذا حصل فيهما سطوح متعددة ، إمّا بالكسر أو شبهه ، تعاكس الضوء من بعضها إلى بعض وحدث البياض ، وإن لم يكن معهما ما يوجب التزاق بعضها ببعض رؤى كلّ
__________________
(١) ق وس : «انتفاء انحصار».