وعن الثامن : أنّا نلتزم ذلك ، فإنّه تعالى علم الأشياء قبل وجودها ، ولا معلوم له ثابت في الخارج ، إلّا أنّا لا نطلق ذلك ، لأنّه يوهم أنّه ما علم شيئا ، ولا يلزم من كون المعدوم ليس بشيء كونه ليس بمعلوم. ثمّ إنّه يبطل بقولهم : إنّه تعالى علم أنّه لا مثل له.
وعن التاسع : بالمنع من توقّف القصد على ثبوت الذاتية ، بل يكفي في صحّة القصد إلى إيجاد الحجم أن يعلم القادر حقيقة الحجم ما هي ، ثمّ يدعوه الداعي إلى إيجاد ما يطابق ما علمه (١) من حقيقة الحجم ، فيجعل حجما لكونه قادرا ، كما يعلم مثله في القادر منّا ، فإنّا نعلم حقيقة ما نفعله (٢) قبل إيجاده ، ثمّ يقصد إلى فعل ما يطابق علمه بحقيقته ، من دون أن يشعر أنّ في العدم شيئا وذاتا. وأيضا ، فإنّ مذهبكم أنّ القادر يقصد إلى إيجاد الذات وتحصيلها على صفة الوجود ، ومع ذلك فإنّه لا يجب أن تكون على صفة الوجود حتى يصحّ منه القصد إلى ذلك.
لا يقال : الذات عندنا معلومة للقادر ، فصحّ منه القصد إليها ليوجدها.
لأنّا نقول : القصد عندكم لا يتعلّق بالذات ، لأنّ الذات يستمرّ كونها ذاتا عندكم ، فهي في حكم الباقي ، والقصد إلى الباقي وإلى الأعيان عندكم لا يصحّ ، وإنّما يتعلّق القصد عندكم بالحدوث أو بحدوث الشيء على وجه ، وإذا لم يتعلّق القصد بالذات من حيث هي ذات ، بل بصفة الوجود ليجعل الذات عليها ، ولا يجب أن تكون صفة وجودها قبل حصولها ، فليجز مثل ذلك في قصد القادر إلى جعل الذات.
__________________
(١) م : «علم».
(٢) كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : «فانّه يعلم حقيقة ما يفعله».