فإذا طرأ السواد على البياض فقد نافاه ولم يكن حينئذ حقيقة ، فكان إفناؤه إفناء الحقيقة.
وأيضا نفرض الكلام في نوع واحد من الأنواع ، كالجوهر مثلا فنقول : لا يجوز أن يكون في العدم جواهر متماثلة ، سواء كانت متناهية أو غير متناهية ، لأنّ ذلك إثبات للتعدّد في الذوات من غير فصل مميّز ، فيكون محالا.
أمّا الأوّل : فلأنّا فرضنا الكلام في نوع واحد لا تميّز لاحدى الذاتين عن الأخرى ، كالجوهرين والسوادين.
وأمّا الثاني : فالضرورة قاضية به ، فإنّا نعلم في كل شخص بالضرورة أنّه واحد ، ولو جاز إثبات شيئين لا يتميّز أحدهما عن الآخر لجوّزنا أن يكون له ثان ، لكنّه لا يفصل عنه بفصل. ولأنّا إذا علمنا حقيقة الجوهر مطلقا ، ثم علمنا جوهرا معيّنا ، فلا شكّ أنّه دخل في العلم الثاني معلوم العلم الأوّل ، وإلّا لم يكن علما بحقيقة جوهر ، فإن لم يدخل في الثاني أمر زائد على الأوّل مع أنّ الأوّل لم يكن علما بجوهر معين ، كان الثاني كذلك ، وقد فرضناه علما بحقيقة جوهر معيّن ، فيثبت أنّه دخل فيه أمر زائد لم يدخل في العلم الأوّل ، وهكذا في كلّ فرد معيّن من أفراد ذلك النوع ، فوجب في الاثنينية أمر زائد لو لا ذلك لم يتصوّر الاثنينية.
احتجّوا بوجوه :
أ : القادر يقدر على إيجاد الجوهر وغيره ، فلا بدّ له من تعلّق بالمقدور حتّى يصحّ منه إيجاده ، فيجب أن يكون الجوهر ذاتا في حال عدمه حتّى يكون متعلّقا.
ب : التحيّز صفة تقتضيها صفة الذات في العدم ، فلا بدّ من إثبات الذات الموصوفة بالصفة الذاتية في العدم. وإنّما قلنا ذلك ، لأنّ تحيّز الجوهر أمر متجدّد ، فإمّا أن يتجدّد ذلك لأمر (١) أو لا لأمر ، والثاني باطل ، فصحّ أنّه لأمر ، فذلك الأمر
__________________
(١) ق : «الأمر» والصواب ما أثبتناه في المتن من نسخة م وج.