الحجاب ويصل إلى لذّة اللقاء والمشاهدة ، بشرط أن لايكون له علاقة بالدنيا ، فإنّ المحبّ لها قد استأنس بزخارفها ، فتحصل له من الموت وحشة عظيمة من مفارقتها ، فتلك العلاقة حاجبة له عن تلك اللذّة المترتّبة على الانس كما في الحبّ ، فعلم أنّ سالك الآخرة لابدّ له من المواظبة على الذكر المحصّل للانس ، والفكر المحصل للحبّ ، والعمل المحصّل لصفاء القلب حتّى تقطعه عن ملاذّ الدنيا وتمنعه عن شهواتها وهي متوقّفة على صحّة البدن وهي على المأكل والملبس والمسكن ، ولكلّ منها لوازم وأسباب ، فمن أخذها لتحصيل هذه الثلاثة لم يكن من أبناء الدنيا ، وكلّ من يتنعّم منها ولو بسماع صوت طائر أو نظر إلى خضرة أو شربة ماء بارد كان منهم ، فإنّ حوظ الدنيا.
وإن لم تكن بأسرها معرضة لسخط الله وعذابه لكنّها حائلة بين العبد وبين الدرجات العالية مفوتّة لحظوظ دائمة باقية مع كونها في جنبها حقيرة زائلة فانية موجبة طول الحساب والمناقشة من ربّ الأرباب.
ومعلوم أنّ طول الموقف في عرصة القيامة لأجل الحساب أيضاً نوع من العذاب.
ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ». (١)
فمن كان معرفته بالله سبحانه أقوى وأتمّ كان حذره من الدنيا أكثر وأعظم حتّى إنّ عيسى بن مريم عليهمالسلام وضع رأسه على حجر لمّا نام ثم رمى به إذ تمثّل له إبليس وقال : رغبت في الدنيا. (٢)
وكلّ من كان عنايته تعالى به أكثر ومنّته عليه أوفر ابتلاه في الدنيا بأنواع المحن والبلاء من الأنبياء والأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل في درجات
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢١ ، وفيه : « حلالها حساب ، وحرامها عقاب » نعم في النهج (الخطبة : ٨٥) عن أميرالمؤمنين عليهالسلام كما في المتن.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢١ ـ ٢٢.