الحاملون لها ، فيجب تقييدهم بقيود النواميس الإلهيّة ، وتنبيههم بالحكم والمواعظ الشافية.
فصل
لما كان شرف كلّ علم بشرف موضوعه ولذا كان الطب أشرف من الدباغة ، كان هذا العلم أشرف العلوم وأبهاها وأنفعها وأعلاها ، لأنّ موضوعه النفس الناطقة التي هي حقيقة الإنسان ، وهي أشرف أنواع الأكوان ، كما تبيّن في محلّه باوضح بيان ، وقد اشرنا إليه سابقاً ، ولهم عرض عريض يتّصل أوّله بأخسّ الموجودات ، ويلحق آخره بأشرفها ، وغايته إكمالها وإيصالها من أوّل مدارجها إلى أعلى معارجها ، فبه تتمّ الإنسانيّة ، وأيّ علم أشرف ممّا يوصل أخسّ الموجودات إلى أشرفها ، بل هو الاكسير الأعظم ، ولذا بالغ السلف في تدوينه وتعليمه قبل سائر العلوم ، فكما أنّ المريض لايغذّى بالأغذية اللذيذة المقوّية الا بعد نقاء البدن عن الأخلاط الفاسدة ، ولو غذي بها [ قبله ] زاد مرضه ، فكذا النفوس الغير المتخليّة عن ذمائم الأخلاق لا يزيدها التعلّم بسائر العلوم الا فساداً ، كما نشاهد في عصرنا هذا من كون بعض المتزيّين بزيّ العلماء أسوأ حالاً وأعظم شقاوة وأقسى قلباً وأشدّ جرأة على المعاصي ومتابعة الشهوات من الجهّال والعوام ، بل فساد حال هؤلاء ناش في الحقيقة منهم.
فصل
قد تبيّن لك أنّ للنفس الحيوانيّة قوّة محرّكة تنقسم إلى الشهويّة والغضبيّة ، وهي الباعث لها على الفعل بالاختيار والإرادة بعد إدراك مايلائمها بالمدركة ، وللنفس الانسانيّة قوّة عقليّة بها تدرك حقائق الأمور وتميّز الخيرات عن الشرور ، وتميل إلى فعل ما تستحسنه وترك ما تستقبحه ، فهي أيضاً باعثة الفعل والترك بالرويّة والاختيار ، لكنّها تبعث على ملازمة