والا فالقبول ممّا سبق به القضاء ( قد أفلح من زكّيها ) (١) ( وهو الّذي يقبل التوبة عن عباده ) (٢) ( غافر الذنب وقابل التوب ) (٣).
قال بعض العرفاء : إنّ الله عباداً نصبوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب وسقرها بماء التوبة فأثمرت ندماً وحزناً فجنّوا من غير جنون وتبلّدوا من غير عيّ ولا بكم وأنّهم لهم البلغاء الفصحاء العارفون بالله ورسوله ، ثم شربوا بكأس الصفا شربة فورثوا الصبر على طول البلاء ، ثم تولّهت قلوبهم في الملكوت وجالت فكرتهم بين سرادقات حجب الجبروت واستظلّوا تحت رواق الندم وقرأوا صحيفة الخطايا فأورثوا أنفسهم الجزع حتّى وصلوا إلى علّو الزهد بسلّم الورع فاستعذبوا مرارة الترك للدّنيا واستلانوا خشونة المضجع حتّى ظفروا بحبل النجاة وعروة السلامة وسرحت أرواحهم في العلى حتّى أناخوا في رياض النعيم وخاضوا في بحار الحياة وردموا خنادق الجزع وعبروا جسور الهوى حتّى نزلوا بفناء العلم واستقوا من غدير الحكمة وركبوا سفينة الفطنة وأقلعوا بريح النجاة في بحر السلامة حتّى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العزّ والكرامة. (٤)
تلميع
كلّما كان ألم الندم وتأثير القلب به أشدّ كان تكفير الذنوب أرجى وعلامة صدقه تبدّل حلاوة المعاصي في القلب بالمرارة.
وفي الاسرائيليات : « أنّ نبيّاً سأل من الله قبول توبة عبد بعد اجتهاده سنين في العبادة فقال : وعزّتي لو شفع فيه أهل السماوات والأرض ما قبلت توبته ، وحلاوة ذلك الذنب الذي تاب منه في قلبه » (٥) ولا يستحيل ذلك ،
__________________
١ ـ الشمس : ٩.
٢ ـ الشورى : ٢٥.
٣ ـ غافر : ٣.
٤ ـ إحياء العلوم : ٤ / ١٥ عن ذي النون المصري.
٥ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٦٣.