وأسبابها أسباباً إلى أن ينتهي إلى دليل النتحيّرين ربّ الأرباب ومسبّب الأسباب.
تذييل
إذا قد عرفت مجامع النعم وأنّ ممّا وقع منها في المرتبة الأخيرة صحّة البدن فاعلم أنّ هذه الواحدة لو أريد استقصاء الأسباب التي بها تمّت الإنعام والتنعّم بها لم يقدر عليه ولكن الأكل من أحد أسبابها وله أسباب لا تحصى ، وقد ذكر بعضهم بعضاً من أسبابه تنبيهاً للغافلين ، وتصديقاً قلبياً لقوله تعالى : ( وإن تعدّوا نعمة الله لاتحصوها ). (١)
ولنشر إلى بعض ما ذكروه اقتداء بالمشايخ الأطياب وتعميماً لنفع الكتاب في عدّة تنبيهات :
الأوّل (٢) : يتوقّف الأكل على إدراك المأكول رؤية ولمساً وشمّاً وذوقاً لعدم التمكّن من التمييز والطلب ودرك بعض الأوصاف اللازمة في الأكل وتشخيص الطيّب عن الخبيث وموافقته للطبع أو مخالفته الا به فيتوقّف على خلق الحواسّ الظاهرة المتوقّفة على أسباب غير متناهية لايمكن حصرها ، ثمّ على إدراك كون ماذاقه أوّلاً مخالفاً لطبعه أو موافقاً له ثانياً من دون ذوق جديد ، فإنّ الذوق مدرك المرارة دون اللون والبصر مدرك الثاني دون الأوّل فلابدّ من حاكم يجتمع عنده اللون والطعم ، حتّى إذا رأى أحدهما حكم بالآخر حتى يمتنع من تناوله ثانياً وهو الحسّ المشترك الثابت لكلّ حيوان ، ولايمتاز الانسان عن غيره الا بتمييز مابه يصلح عاقبة أمره عمّا به تفسد من ضرر المطاعم ونفعها وكيفيّة طبخها وتركيبها وإعداد أسبابها بقوّة مختصّة به ، أي العقل وهو أخسّ فوائده وحكمه ، فإنّها أكثر من أن تحصى وأعظمها
__________________
١ ـ النحل : ١٨.
٢ ـ كما في « ب » ، وفي « ج » : الأولى وكذا الثانية والثالثة و ... نعم استظهر كاتب « ج » أن الصحيح : الأوّل ، فشطب على « الأولى » وكتب « الأوّل » واضعاً علامة « ظ » فوقه.