ويؤكّد ذلك ما في الأخبار الكثيرة من إنّ للقرآن ظهراً وبطناً وأنّ أدنى ماللامام أن يفتي على سبعة وجوه ، والتتبّع في الأخبار والاطلّاع على طريقة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم في محاوراتهم مع الناس وأجوبة مسائلهم يكشف عن ذلك ، كيف لا ، وكلام الحكيم لابدّ وأن يكون على وجه ينتفع به كافة الناس على قدر عقولهم ومراتب فهمهم وإدراكهم ، فالصراط الذي أمر الله تعالى باتّباعه بقوله : ( وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ). (١) وبالدعاء له في قوله : ( إهدنا الصراط المستقيم ). (٢) لا يراد منه الجسر المحسوس الممدود على متن جهنّم. والذي يمكن حمله عليه لاينافي حمله على هذا أيضاً ، فأيّ مانع من إرادة الجميع حتّى يتطابق العقل والنقل.
ثم إنّك قد عرفت انّ الاعتدال الحقيقي في الفضائل متعذّر لايمكن وجدانه ولا الثبات عليه ، فلا يحكم بحصول فضيلة لصاحبها من حيث إنها حقيقية ، بل لكونها قريبة إليها ، ولا يمكن في حقه ما هو أقرب منها فهي الفضيلة الاضافية ، ولها عرض وسطها الحقيقية التي لا عرض لها وطرفا افراطها وتفريطها الخارجان عنها من الفضيلة الاضافية ، وكلّما قربت إلى الحقيقيّة كانت أكمل.
ثمّ أنّ الرذائل وإن كانت غير متناهية على ما ذكرنا الا أنه ليس لجميعها ولا لا غلبها أسماء معيّنة ، وليس على صاحب الصناعة حصرها وضبطها ، بل عليه بيان القواعد الكلّية ، والمعيار فيها أنّ بأزاء كلّ فضيلة رذيلتان من طرف الافراط والتفريط ، فأجناسها ثمانية. اثنان منها بإزاء الحكمة ، وهما الجربزة أو السفسطة في الافراط ، أعني استعمال الفكر فيما لا ينبغي والبله أو الجهل في التفريط ، أعني تعطيل القوّة الفكرية وترك استعمالها فيما ينبغي فإن حقيقة الحكمة هي العلم يحقائق الموجودات على ما هي عليه ، فيتوقّف
__________________
١ ـ الأنعام : ١٥٣.
٢ ـ الحمد : ٦.