وأمّا اللذّة العقليّة فقد جوّزوها عليه تعالى ، فإنّه مدرك لذاته على أبلغ إدراك ، وذاته أكمل الموجودات ، وهي ملائمة له فلذّته وابتهاجه بها أتمّ اللذّات وأكمل الابتهاجات (١).
وأمّا المتكلّمون فإنّهم أنكروا اللذّة والألم بالمعنى الأخير ، فعندهم اللذّة ليست (٢) إلّا ملائمة المزاج ، والألم عبارة عن منافرته ، والله تعالى ليس له مزاج ، فليس بمتألّم ولا ملتذّ ، وأيضا فلذّته إمّا أن تكون قديمة أو حادثة ، والقسمان باطلان ؛ أمّا الثاني فلما مرّ من استحالة كونه محلّا للحوادث ، وأمّا الأوّل فلأنّ الملتذّ به إمّا أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان الأوّل لزم القدم ، وهو محال ، وإن كان الثاني فلا وقت يوجد الملتذّ فيه إلّا ويمكن خلقه قبل ذلك الوقت ، فيجب خلقه قبل ذلك الوقت ، لأنّ الفعل الملتذّ به إذا كان ممكنا كان واجبا أن يفعله الملتذّ ، لكن يستحيل وجود الأثر قبل وجوده (٣).
وهذا الثاني ضعيف ، فإنّه يجوز أن يقال : لم لا يلتذّ بذاته وبإدراكه لا بشيء آخر كما يذهب إليه الفلاسفة.
سلّمنا لكن لم لا يكون الالتذاذ مشروطا بحصول الفعل في وقت معيّن كتناول الطعام للأكل ، فإنّه إنّما يلتذّ به في وقت معيّن وقبل ذلك الوقت (٤) لا التذاذ.
__________________
(١) حكاه عن الفلاسفة الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٧٠ ، والخواجة نصير في تلخيص المحصّل : ٢٦٦ ، وانظر إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين للفاضل المقداد : ٢٣٣ ، لباب الإشارات : ٢٧٦ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٠١.
(٢) في «د» : (ليس) ، وفي «أ» : (فليست).
(٣) ذكر هذا البيان الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٧٠.
(٤) (الوقت) لم ترد في «أ» «س».