أقول :
هذه مسألة يبتني عليها ثبوت المعاد ، فلذلك بحث المتكلّمون عنها ، والخلأ هو وجود بعد غير حالّ في المادّة ، وقوم فسّروه بلا شيء (١) ، واختلف الحكماء في ذلك والمتكلّمون ، فذهب أكثر المتكلّمين إلى ثبوته (٢) ، وذهب أكثر الحكماء إلى انتفائه (٣). احتجّ المتكلّمون بوجهين :
الأوّل : أنّ الخلأ لو لم يكن ثابتا لامتنعت الحركة ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة : أنّ المتحرّك إذا انتقل من حيّزه إلى الحيّز الثاني فإمّا أن يكون الحيّز الثاني خاليا أو (٤) ممتليا ، والأوّل المطلوب ، والثاني يلزم منه التداخل (٥).
لا يقال : إنّه حال حركته إلى الحيّز الثاني ينتقل الجسم الذي في الحيّز الثاني إلى الحيّز الأوّل.
لأنّا نقول : فحينئذ تتوقّف حركة كلّ واحد منهما على حركة الآخر وذلك دور.
وأمّا بطلان التالي فظاهر.
قال : ولأنّ (٦) السطحين إذا رفع أحدهما عن الآخر ثبت الخلأ.
__________________
(١) حكاه الفخر الرازي في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٣٨ ، والمصنّف في الأسرار الخفيّة : ٢٥٢ ، والفاضل المقداد في إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٦٣.
(٢) قال الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٠٨ ، الخلأ جائز عندنا وعند كثير من قدماء الفلاسفة. خلافا لارسطاطاليس وأتباعه (وانظر تلخيص المحصّل : ٢١٤).
(٣) جاء في الموسوعة الفلسفيّة للدكتور عبد المنعم الحنفي ص ١٧٥ أنّ القول بانتفاء الخلأ مذهب أكثر الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا والطوسي وكذا فلاسفة الغرب منهم ديكارت.
(٤) (أو) لم ترد في «ف».
(٥) انظر المعتبر لأبي البركات البغدادي ٢ : ٤٧ ، نهاية المرام للمصنّف ١ : ٤٠٢ (الوجه الأوّل).
(٦) في «د» زيادة : (شخص).