وعند الفلاسفة أنّ مقدار الجسم عرض حالّ في الجسم ومادّة الجسم قابلة لما هو أزيد من ذلك المقدار أو أنقص ، فهي من حيث هي هي (١) غير متقدّرة وقابلة لكلّ المقادير ، ويمكن أن يخلع مقدارا أكبر ويلبس أصغر وبالعكس ، وهذا هو التخلخل والتكاثف الحقيقيّان ، وهو مبنيّ على وجود المادّة ، فإنّه لو لا وجود المادّة لكان المقدار هو الجسم ، ولا سبب للتخلخل والتكاثف إلّا ما ذكره المتكلّمون ، وعلى تقدير ثبوت المادّة يتمشّى هذا البحث (٢).
البحث الثاني : اعلم أنّ الجسم متّصل في الحيّز ، ولما أبطل الأوائل الجزء الذي لا يتجزّأ ثبت أنّه كذلك في الحقيقة ، ولا شكّ في أنّه قابل للانفصال ، والقابل للشيء يجب حصوله مع المقبول ، والاتصال لا يمكن حصوله مع الانفصال ، فهو غير قابل له ، فلا بدّ من شيء آخر (٣) يقبل الانفصال والاتصال وهو المادّة.
البحث الثالث : اعلم (٤) أنّ المتكلّمين نفوا وجود المادّة وجماعة من الأوائل أيضا ، وهو مذهب صاحب المعتبر (٥) ، وذلك لأنّ المادّة إمّا أن تكون متحيّزة أو
__________________
(١) (هي) لم ترد في «ب».
(٢) انظر تلخيص المحصّل للخواجة نصير الطوسي : ٢١٥ ، وإرشاد الطالبيين للفاضل المقداد : ٦٥ ، شرح المقاصد ١ : ٢٦٢.
(٣) في «د» زيادة : (لا).
(٤) (اعلم) ليست في «ف».
(٥) أي صاحب كتاب المعتبر في الحكمة ، وهو أبو البركات هبة الله بن عليّ بن ملكا البغدادي المولود سنة ٤٨٠ هجريّة والمتوفّى سنة ٥٦٠ هجريّة ، كان طبيبا سكن بغداد وعرف بفيلسوف العراقيين ، ولقب بأوحد الزمان ، كان يهوديّا فأسلم ، وكان في خدمة المستنجد بالله العبّاسي ، له كتاب «اختصار التشريح من كلام جالينوس» بالإضافة إلى كتاب المعتبر في الحكمة وغيره (ريحانة الأدب ٧ : ٣٠).