أقول :
ذهبت الملاحدة إلى أنّه لا بدّ في المعرفة من قول الإمام (١) ، والحقّ خلاف هذا ، لأنّا نقول : إمّا أن يكون قول الإمام هو المحصّل للمعارف أو مع النظر ؛ والأوّل باطل لأنّه لا بدّ في قول الإمام من نظر دالّ على صدقه ، إذ صدقه لا يعرف بقوله وإلّا لزم الدور ، والثاني باطل لأنّ الترتيب مؤدّ بالضرورة ، فإنّ من علم أنّ العالم متغيّر وأنّ كلّ متغيّر حادث فلا بدّ وأن يعلم أنّ العالم حادث ، ولا يتوقّف ذلك على قول الإمام.
قال :
والدور والتسلسل مندفعان بالمشاركة بين العقل وقوله وزيادة عقله.
أقول :
إنّ الأشاعرة والمعتزلة ردّوا قول الملاحدة بلزوم الدور والتسلسل ؛ أمّا الدور فلأنّ الإمام لا يعرف كونه صادقا بالضرورة ولا بالنظر لأنّه غير كاف بل لا بدّ من قوله ، فإذن معرفة صدقه يتوقّف على قوله ، وقوله ليس بحجّة ما لم يكن صادقا ، فيتوقّف كلّ واحد منهما على الآخر ويلزم الدور.
وأمّا التسلسل فلأنّ المعلّم إن كان يعرف الله بالضرورة وجب اشتراك العقلاء فيه ، وإن كان بالنظر كان النظر كافيا له (٢) فليكف النظر (٣) في حقّنا ولا حاجة إليه ، وإن كان بمعلّم آخر تسلسل.
وهذان مندفعان : أمّا الدور فلأنّه إنّما يلزم على تقدير أن يكون المفيد للمعرفة
__________________
(١) حكاه عنهم الرازي في كتاب المحصّل : ١٢٦ و ١٢٧.
(٢) (له) لم ترد في «ب».
(٣) (النظر) لم ترد في «ب» «ر» «س».