الاختلاف إشارة إلى مختلف أفراد البشر حيث يكون البعض من القسم الأوّل والبعض الآخر من القسم الثاني.
وقد ذكرت كلمة (الإخلاص) في الكثير من الآيات ، حيث تشير إلى رفض كلّ معبود سوى الله الواحد ، وتدلّ على أنّهم حين الدعة والراحة يعبدون الله أيضاً ، ولكنّهم يجعلون لله أنداداً سرعان ما ينسونهم عند ارتفاع الأمواج العاتية أو الأعاصير الموحشة ، ويغمر نور التوحيد والوحدانية قلوبهم ويضيء وجودهم.
ورد في تفسير «روح البيان» بأنّ عبدة الأوثان وفي أثناء رحلاتهم البحرية (حيث كانت رحلاتهم محفوفة بالمخاطر ، باعتبار أنّ السفر عن طريق البحر مملوء بالحوادث وفي ذلك الزمان أكثر خطراً بالنسبة لعصرنا الحاضر وذلك لافتقارهم للمعدات البحرية المتطورة).
فكانوا يحملون معهم الأصنام ، وعند هبوب الأعاصير العنيفة فانّهم كانوا يلقون أصنامهم في البحر ويستغيثون بأصوات عاليه ، ياربّ! ياربّ! (١).
والأعجب أنّهم كانوا يسمعون من النبي صلىاللهعليهوآله جميع الأدلّة المنطقية الناصعة ، لكنّهم لم يؤمنوا ، في حين كانوا يقبلون على الله بكلّ وجودهم عندما يتعرضون للبلاء الشديد ، وهذا ممّا يشير إلى أنّ طريق الفطرة أسمح وأيسر للكثير من الناس من الطرق الاخرى.
والجديرُ بالذكر أنّ القرآن الكريم يحذّر الذين يستجيبون لنداء الفطرة عند الشدة وينسونه عند الرخاء ، ويلفت أنظارهم ببيان جميل بقوله : (أَفَأَمِنْتُم أَنْ يَخسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرِّ أَوْ يُرسِلَ عَلَيكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لَاتَجِدُوا لكُمْ وَكيلاً) (٢).
هل هناك إلهان أحدهما للبحر والآخر للبرّ؟! أم أنّ الله قادرٌ في البحر ولا قدرة له في البرّ؟! إنّ الله قادر على أن يأمر الأرض بأن تبتلع كل ما موجود عليها في لحظة واحدة وبواسطة زلزال واحد (٣).
__________________
(١) روح البيان ، ج ٦ ، ص ٤٩٣.
(٢) الإسراء ، ٦٨.
(٣) قبل عدّة سنوات وقع زلزال في شمال أفريقيا وفيه ابتلعت الأرض قرية كاملة ولم يعثروا حتّى على خرائبها!