أأرباب متفرّقون ، إله البحر ، إله الصحراء ، إله الأرض ، إله السماء ، إله الماء ، إله النار ، وهكذا الملائكة والجنّ والفراعنة والأصنام الحجرية والخشبية والمعدنية التي تعبدونها خير أم الله الواحد المهيمن على كلّ شيء؟ وكلمة (قهّار) صيغة مبالغة من (القهر) ويعني كما يقول الراغب في المفردات : الغلبة وإذلال الطرف المقابل ، ولكن هذا اللفظ يستعمل في كلّ واحد من هذين المعنيين (الغلبة والإذلال) مستقلاً ، وكما يقول الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان : «القاهر هو القادر الذي لا يمتنع عليه شيء» (١) ، من هنا تتّضح العلاقة بين صفة الوحدة والقاهرية ، فحينما نذعن بقدرته الغالبة على كلّ شيء أي أنّها غير محدودة فإنّنا لا نتصوّر له ثانياً ، لأنّ كلّ ما سواه مغلوب له ومقهور ، ولذلك لا يمكن أن يكون ما سواه واجب الوجود وغير محدود (فتأمّل جيّداً).
توضيحات
١ ـ إنّه حقيقة لا متناهية
القضيّة الاولى والأكثر أهمّية في باب (صفات الله) الواجب إثباتها لإيضاح مسألة التوحيد وصفات الله الاخرى كالعلم والقدرة وأمثالها هي أنّ ذاته المقدّسة لا متناهية ، فإن ثبتت هذه القضيّة وفُهمت جيّداً تيسّر الطريق إلى جميع الصفات الجمالية والجلالية (الصفات الثبوتية والسلبية).
ولإثبات هذا الأمر وهو أنّه تعالى وجود لا نهاية له، لابدّ من ملاحظة النقاط التالية :
أ) محدودية الوجود تعني التقارب مع (العدم) فلولا العدم لا يستقرّ مفهوم للمحدودية ، فعندما نقول : إنّ عمر فلان محدود فإنّه يعني أنّ عمره سينتهي إلى العدم ومقرون بالعدم ، وهكذا بالنسبة لمحدودية القدرة أو العلم وأمثالها.
ب) الوجود ضدّ العدم ولو كان الشيء مقتضياً للوجود ذاتاً فإنّه لا يقتضي العدم أبداً.
ج) ثبت في برهان العلّة والمعلول أنّ سلسلة العلّة والمعلول في هذا الكتاب يجب أن
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٤٠٣.