وحملوا ووقروا ، وأخرجوا على الصّعبة والذّلول ، لا يملكون أنفسهم ، كما قال الله تعالى : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (١) وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان (٢) ، يشربون الخمر ويضربون بالدفوف.
وخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث عديّ بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو يتجسّسان خبر العير ، فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما ، واستعذبا من الماء ، وسمعا جاريتين قد تشبّثت إحداهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا ، وهي تنزل غداها هنا ، وأنا أعمل لهم وأقضيك. فرجعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبو سفيان بالعير ، فلما شارف بدرا تقدّم العير ، وأقبل وحده حتى انتهى إلى ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة ، يقال له مجدي الجهني ، فقال له : مجديّ ، هل لك علم بمحمد وأصحابه؟ قال : لا. قال : واللّات والعزّى ، لئن كتمتنا أمر محمد لا تزال قريش لك معادية إلى آخر الدهر ، فإنه ليس أحد من قريش إلّا وله شيء في هذه العير نش فصاعدا ، فلا تكتمني. فقال : والله ما لي علم بمحمد ، وما بال محمد وأصحابه بالتجّار ، إلّا أني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء ، وأناخا راحلتيهما في هذا المكان ورجعا ، فلا أدري من هما. فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففتّ أبعار الإبل بيده ، فوجد فيها النّوى ، فقال : هذه علائف يثرب ، هؤلاء والله عيون محمد. فرجع مسرعا ، وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين.
__________________
(١) الأنفال : ٤٧٨.
(٢) القيان : جمع قينة : الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. «الصحاح ـ قين ـ ٦ : ٢١٨٦».