ونزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره أن العير قد أفلتت ، وأنّ قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ، ووعده النّصر ، وكان نازلا بالصّفراء (١) ، فأحبّ أن يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه أن ينصروه في الدار ، فأخبرهم أن العير قد جازت ، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عيرها ، وأنّ الله قد أمرني بمحاربتهم. فجزع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك ، وخافوا خوفا شديدا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أشيروا عليّ». فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنا بك وصدّقناك ، وشهدنا أن ما جئت حق من عند الله! والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا أو شوك الهراس (٢) لخضنا معك ، ولا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٣) ولكنّا نقول : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فجزاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا ، ثم جلس.
ثم قال : «أشيروا عليّ». فقام سعد بن معاذ ، فقال : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ كأنّك قد أردتنا؟ فقال : «نعم». قال : فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟ قال : «نعم». قال : بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحبّ إلي من الذي تركت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. فجزاه خيرا ، ثم قال سعد : بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله ، والله ما أخذت هذا الطريق قطّ ، وما لي به علم ، وقد خلّفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشدّ جهادا
__________________
(١) الصفراء : واد من ناحية المدينة ، كثير النخل والزرع ، بينه وبين بدر مرحلة. «معجم البلدان ٣ : ٤١٢».
(٢) الهراس : شوك كأنّه حسك «لسان العرب ـ هرس ـ ٦٠ : ٢٤٧».
(٣) المائدة : ٢٤.