وأرجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبي أيّوب الأنصاريّ. فسار صلىاللهعليهوآلهوسلم فتلقّاه أبو بكر ، فقال له : يا رسول الله ، أصحبك؟ فقال ويحك ـ يا أبا بكر ـ ما أريد أن يشعر بي أحد ، فقال : فأخشى ـ يا رسول الله ـ أن يستحلفني المشركون على لقائي إيّاك ، ولا أجد بدّا من صدقهم. فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويحك ـ يا أبا بكر ـ أو كنت فاعلا ذلك؟ فقال : إي والله ، لئلا أقتل ، أو أحلف فأحنث. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويحك ـ يا أبا بكر ـ فما صحبتك إيّاي بنافعتك. فقال له أبو بكر : ولكنّك تستغشّني وتخشى أن أنذر بك المشركين. فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : سر إذا شئت. فتلقّاه الغار ، فنزل عن ناقته العضباء ، وأبركها بباب الغار ، ودخل معه جبرئيل وأبو بكر.
وقامت خديجة في جانب الدّار باكية على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واضطجع أمير المؤمنين عليهالسلام على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليفديه بنفسه ، ووافى المشركون الدار ليلا فتسوّروا عليها ودخلوا ، وقصدوا إلى فراش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوجدوا أمير المؤمنين عليهالسلام مضطجعا فيه ، فضربوا بأيديهم إليه ، وقالوا : يابن أبي كبشة ، لم ينفعك سحرك ولا كهانتك ولا خدمة الجانّ لك ، اليوم نسقي أسلحتنا من دمك. فنفض أمير المؤمنين أيديهم عنه ، فكأنّهم لم يصلوا إليه ، وجلس في الفراش ، وقال : ما بالكم ـ يا مشركي قريش ـ أنا عليّ بن أبي طلب! قالوا له : وأين محمّد ، يا عليّ؟ قال : حيث يشاء الله. قالوا : ومن في الدّار؟ قال : خديجة. قالوا : الحبيبة الكريمة لو لا تبعّلها بمحمّد. يا علي ، وحقّ اللّات والعزّى لو لا حرمة أبيك أبي طالب وعظم محلّه في قريش لأعملنا أسيافنا فيك.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يا مشركي قريش ، أعجبتكم كثرتكم ، وفالق الحبّ ، وبارىء النّسمة ، ما يكون إلّا ما يريد الله ، ولو شئت أن أفني جمعكم ، كنتم أهون عليّ من فراش السّراج ، فلا شيء أضعف منه. فتضاحك