الجنون ، وشرّ المكاسب كسب الرّبا ، وشرّ الأكل أكل مال اليتيم ، والسّعيد من وعظ بغيره ، والشّقيّ من شقي في بطن أمّه. وإنّما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع والأمر إلى آخره ، وملاك الأمر خواتيمه ، وأربى الربا الكذب ، وكلّ ما هو آت قريب ، وسباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه (١) من معصية الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، ومن توكل على الله كفاه ، ومن صبر ظفر ، ومن يعف يعف الله عنه ، ومن كظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرّزيّة يعوّضه الله ، ومن يتّبع السّمعة يسمّع الله (٢) به ، ومن يصم يضاعف الله له ، ومن يعص الله يعذّبه. اللهمّ اغفر لي ولأمّتي ، اللهمّ اغفر لي ولأمّتي ، أستغفر الله لي ولكم».
قال : فرغب الناس في الجهاد لمّا سمعوا هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقدمت القبائل من العرب ممّن استنفرهم ، وقعد عنه قوم من المنافقين وغيرهم ، ولقي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الجدّ بن قيس ، فقال له : «يا أبا وهب ، ألا تنفر معنا في هذه الغزاة ، لعلّك أن تستحفد (٣) من بنات الأصفر (٤)؟» فقال : يا رسول الله ، والله إنّ قومي ليعلمون أن ليس فيهم أحد أشد عجبا بالنساء منّي ، وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر ، فلا تفتني ، وائذن لي أن أقيم. وقال لجماعة من قومه : لا تخرجوا في الحرّ. فقال ابنه : تردّ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول له ما تقول ، ثمّ تقول لقومك : لا تنفروا في الحرّ ، والله لينزلنّ الله في هذا قرآنا يقرؤه الناس إلى يوم القيامة. فأنزل الله
__________________
(١) قوله : وأكل لحمه ، أي بالغيبة.
(٢) أي يعمل العمل ليسمعه الناس ، أو يذكر عمله للناس ويجبّ ذلك ، ويسمع الله به : أي يشهر الله تعالى بمساوىء عمله وسوء سريرته.
(٣) حفد : خدم ، وقوله : تستحفد ، أي تجعلهنّ حفدة لك ، أي أعوانا وخدما.
(٤) بنو الأصفر : ملوك الروم.