منه ، فجزاه خيرا ودعا له.
وكان أبو ذرّ (رحمهالله) تخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة أيّام ، وذلك أنّ جمله كان أعجف (١) ، فلحق بعد ثلاثة أيّام به ، ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره ، فلمّا ارتفع النّهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كن أبا ذر» فقالوا : هو أبو ذرّ. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أدركوه بالماء عطشان» فأدركوه بالماء ، ووافى أبو ذرّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه إداوة (٢) فيها ماء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا أبا ذرّ ، معك ماء وعطشت!» قال : نعم ـ يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ـ انتهيت إلى صخرة عليها ماء السّماء قذقته ، فإذا هو عذب بارد ، فقلت : لا أشربه حتّى يشرب حبيبي رسول الله.
فقال رسول الله : «يا أبا ذرّ ـ رحمك الله ـ تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل الجنّة وحدك ، يسعد بك قوم من أهل العراق ، يتولّون غسلك وتجهيزك والصّلاة عليك ودفنك».
فلمّا سيّر به عثمان إلى الرّبذة ، فمات بها ابنه ذرّ ، وقف على قبره ، فقال : رحمك الله ـ يا ذرّ ـ لقد كنت كريم الخلق ، بارّا بالوالدين ، وما عليّ في موتك من غضاضة (٣) ، ما بي إلى غير الله من حاجة ، وقد شغلني الاهتمام بك عن الاغتمام لك ، ولو لا هول المطلع لأحببت أن أكون مكانك ، فليت شعري ما قالوا لك ، وما قلت؟ ثمّ رفع يده فقال : اللهمّ إنّك فرضت لك عليه حقوقا ، وفرضت لي عليه حقوقا ، فإنّي قد وهبت له ما فرضت لي عليه من
__________________
(١) الأعجف : المهزول. «الصحاح ـ عجف ـ ج ٤ ، ص ١٣٩٩».
(٢) الإداوة : المطهرة. «الصحاح ـ أدا ـ ج ٦ ، ص ٢٢٦٦».
(٣) الغضاضة : الذلّة والمنقصة. «القاموس المحيط ـ غاض ـ ج ٢ ، ص ٣٥١».