حقوقي ، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك ، فإنّك أولى بالحقّ وأكرم منّي. وكانت لأبي ذرّ غنيمات يعيش هو وعياله منها ، فأصابها داء ، يقال له : النّقاز (١) ، فماتت كلّها ، فأصاب أبا ذرّ وابنته الجوع فماتت أهله ، فقالت ابنته : أصابنا الجوع ، وبقينا ثلاثة أيّام لم نأكل شيئا.
فقال : يا بنيّة ، قومي بنا إلى الرّمل نطلب القت ـ وهو نبت له حبّ ـ فصرنا إلى الرّمل ، فلم نجد شيئا ، فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ، ورأيت عينيه قد انقلبتا ، فبكيت ، وقلت له : يا أبت ، كيف أصنع بك وأنا وحيدة؟
فقال : يا بنيّة ، لا تخافي فإنّي إذا متّ جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري ، فإنّه أخبرني حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزاة تبوك ، فقال : «يا أبا ذرّ ، تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل الجنّة وحدك ، يسعد بك أقوام من أهل العراق ، يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك». فإذا أنا متّ فمدّي الكساء على وجهي ، ثم اقعدي على طريق العراق فإذا أقبل ركب فقومي إليهم ، وقولي : هذا أبو ذرّ ، صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد توفي.
قال : فدخل عليه قوم من أهل الرّبذة ، فقالوا : يا أبا ذر ، ما تشتكي؟ قال : ذنوبي؟ قالوا : فما تشتهي؟ قال : رحمة ربّي. قالوا : فهل لك بطبيب؟ قال : الطبيب أمرضني.
قالت ابنته : فلمّا عاين الموت سمعته يقول : مرحبا بحبيب أتى على فاقة ، لا أفلح من ندم ، اللهمّ خنّقني خناقك ، فوحقّك إنّك لتعلم أنّي أحبّ لقاءك.
قالت ابنته : فلمّا مات مددت الكساء على وجهه ، ثمّ قعدت على طريق العراق ، فجاء نفر فقلت لهم : يا معشر المسلمين ، هذا أبو ذرّ صاحب رسول
__________________
(١) النقاز : داء يأخذ الغنم قتنفز منه حتى تموت. «الصحاح ـ نقز ـ ج ٣ ، ص ٩٠٠».