الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قد توفّي. فنزلوا ومشوا وهم يبكون فجاءوا فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه ، وكان فيهم الأشتر. فروي أنّه قال : دفنته في حلّة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم.
قالت ابنته : فكنت أصلّي بصلاته ، وأصوم بصيامه ، فبينا أنا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجّد بالقرآن في نومي ، كما كان يتهجّد به في حياته. فقلت : يا أبت ، ماذا فعل بك ربّك؟ فقال : يا بنيّة ، قدمت على ربّ كريم ، رضي عنّي ورضيت عنه ، وأكرمني وحباني ، فاعملوا ولا تغترّوا.
وكان مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتبوك رجل يقال له : المضرّب ، من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأحد ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عدّ لي أهل العسكر» فعددهم ، فقال : إنهم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتبّاع. فقال : «عدّ المؤمنين». فعددهم فقال : هم خمسة وعشرون رجلا.
وقد كان تخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوم من المنافقين ، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق ، منهم : كعب بن مالك الشّاعر ، ومرارة بن الرّبيع ، وهلال بن أميّة الواقفي (١). فلمّا تاب الله عليهم ، قال كعب : ما كنت قطّ أقوى منّي في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان قطّ إلّا في ذلك اليوم ، وكنت أقول : أخرج غدا ، أخرج بعد غد ، فإنّي قويّ ، وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّاما ، أدخل السوق فلا أقضي حاجة ، فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الرّبيع ، وقد كانا تخلّفا أيضا ، فتوافقنا أن نبكّر إلى السّوق ، ولم نقض حاجة ، فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد. حتّى بلغنا إقبال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فندمنا.
فلمّا وافى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم استقبلناه نهنّئه بالسّلامة ، فسلّمنا عليه فلم يردّ
__________________
(١) في «س» و «ط» : الرافعي ، تصحيف صوابه ما في المتن ، نسبة إلى بني واقف ، بطن من الأوس ، انظر أسد الغابة ج ٥ ، ص ٦٦ وأنساب السمعاني ج ٥ ، ص ٥٦٧.