الله أحقّ من وفى بعهده ، وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم ، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.
فقال إسرافيل : يا ربّ ، إنّ عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه؟
فقال الله : كلّا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ، ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي ، فاهبط ـ يا إسرافيل ـ عليهم ، واصرفه عنهم ، واضرب به إلى الجبال بناحية مفائض العيون ومجاري السيول في الجبال العاتية ، المستطيلة على الجبال ، فأذلّها به وليّنها حتى تصير ملتئمة حديدا جامدا. فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب ، حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم ـ فصارت حديدا إلى يوم القيامة. فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال ، وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ما صرف عنهم.
وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه ، لا يشكّان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا ، لمّا خفيت أصواتهم عنهما ، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ، ينظران إلى ما صار إليه القوم ، فلمّا دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحمّارة (١) والرعاة بأغنامهم ، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين ، قال يونس لتنوخا : يا تنوخا ، كذّبني الوحي ، وكذبت وعدي لقومي ، لا وعزّة ربّي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني
__________________
(١) الحمّارة : أصحاب الحمير في السفر. «الصحاح ـ حمر ـ ج ٢ ، ص ٦٣٧».