الوحي (١) فانطلق يونس هاربا على وجهه ، مغاضبا لربّه (٢) ، ناحية بحر أيلة متنكّرا ، فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له : يا كذّاب ، فلذلك قال الله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٣) الآية.
ورجع تنوخا إلى القرية ، فلقي روبيل ، فقال له : يا تنوخا ، أيّ الرّأيين كان أصوب وأحقّ أن يتّبع : رأيي ، أو رأيك؟
فقال له تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء والعلماء.
وقال له تنوخا : أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي ، حتى استبان فضلك لفضل علمك ، وما أعطاك الله ربّك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم. فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ، ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربّه ، فكان من قصّته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله : (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٤)».
قال أبو عبيدة : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوّة والرّسالة فآمنوا به وصدّقوه؟
قال : «أربعة أسابيع : سبعا منها : في ذهابه إلى البحر ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه».
__________________
(١) قال المجلسي (رحمهالله) : قوله عليهالسلام : «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم ، البحار ج ١٧ ، ص ٣٩٩.
(٢) قال المجلسي (رحمهالله) : قوله : «مغاضبا لربّه» أي على قومه لربه تعالى ، أي كان غضبه لله تعالى لا للهوى ، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلّف عنه من وعد ربّه ، البحار : ج ١٧ ، ص ٣٩٩.
(٣) الأنبياء : ٨٧.
(٤) الصافات : ١٤٨.